حرب الفئران
قصة قصيرة
عادل سالم
أديب عربي مقيم في الولايات المتحدة
رئيس تحرير ديوان العرب
أمام قاضي إحدى محاكم شيكاغو التابعة لولاية إلينويس وقف فايز يبكي معلنا ندمه على ما فعل، وطلب من القاضي الرحمة، ومنحه فرصة ثانية لمواصلة عمله، لكن القاضي رفض ذلك وأصدر ضده حكما بالسجن ستة شهور، وثلاث سنوات تحت المراقبة. كما قرر حرمانه من مزاولة التجارة، وسحب رخصة محله (فايز جاز آند فود)، وتغريمه مبلغ خمسين ألف دولار، عليه دفعها خلال أسبوع.
نزل القرار على فايز نزول الصاعقة، فمحله المذكور لا تقل قيمته عن نصف مليون دولار لم يترك له القاضي منها سوى ثمن البضاعة حتى أنه منعه من بيع المحل، واستجابت بلدية شيكاغو لقرار القاضي وقررت عدم منح أية رخصة جديدة لعنوان المحل المذكور.
لم يتوقع فايز أن تصل الأمور إلى ذلك الحد. لقد شعر بذنبه، إنه المسؤول عما حصل له. الطمع هو السبب، كان يعيش بسلام ويملك محلا كبيرا (بقالة) مع محطة لبيع الوقود في جنوب شيكاغو، على تقاطع شارعين رئيسيين من شوارع منطقة مزدحمة بالسكان يتصارع عليها التجار، والمستثمرون.
كان عاصم منافسه القريب الذي يقع في الجهة المقابلة له، وهو عبارة عن بقالة كبيرة بدون محطة لبيع الوقود. كان كلاهما له زبائنه، وكلاهما ناجح في عمله، لكن فايز لا يحب المنافسه، وقد عرض أكثر من مرة على عاصم بيع محله، لكن الثاني رفض ذلك، لأنه مصدر رزقه الوحيد.
لم يهدأ فايز وكرر المحاولة من خلال أصدقائه، ومعارفه، وعندما فشل في مسعاه أرسل بعض الزعران فكسروا محل منافسه ليلا وحاولوا حرقه، لكن يقظة الشرطة، وسرعة الإطفائية أفشلا المحاولة، واستطاع عاصم ترميم الأضرار التي لحقت بالمحل، فعاد إلى مزاولة عمله، وزادت زبائنه لأن محاولة الحريق والإعلان عنها بوسائل الإعلام ساعدت على الدعاية له مما أغضب فايز الذي قرر الانتقام من عاصم، والقضاء على منافسه نهائيا.
قال لزوجته وهو في الطريق إلى السجن:
- الشيطان هو السبب، لعنه الله.
فقالت له زوجته:
- لكنك انقدت له يا فايز، كان محلك ناجحا، لكنك كنت تريد الشارع كله لك.
- بني آدم طماع (وخلقنا الإنسان هلوعا).
- استغفر الله العظيم على ما فعلت.
- أستغفر الله، لكني تدمرت، لم يتركوا لي شيئا، إنها مؤامرة، إنهم يكرهوني...
كان عاصم يجلس في مكتبه يراجع بعض الحسابات ويراقب موظفيه، والمحل عبر شاشات المراقبة أمامه، فجأة دخل المحل أحد الزبائن السود يحمل كيسا في يده، بدأ يتنقل بين الرفوف يتلفت وراءه باحثا عن مكان لا زبائن فيه، اشتبه به عاصم، فهم عادة لا يسمحون للزبائن التجول بالمحل بأكياسهم أو حقائب كبيرة، لعله لص يريد السرقة، ترك ما بيده، وانطلق بسرعة إلى الجهة التي وقف فيها الزبون المذكور. عندما وصله كان الزبون يفتح الكيس ويلقي ما به على الأرض فإذا بها عشرات الفئران التي انطلقت في كل مكان في المحل، جن جنونه فهجم على الرجل وصاح يطلب النجدة، فهب أحد الموظفين بمساعدته حيث تمكنا من إلقاء القبض على الرجل الأسود بعد أن تعاركا معه، واتصلا بالشرطة فورا، بعد دقائق كان بالمحل شرطيان، فشرح عاصم لهما ما حصل، وأدخلهما إلى مكتبه لمراجعة تسجيل كاميرات المراقبة فشاهدا ما جرى بالتفصيل. أنكر الرجل في البداية التهم ولكنه في قسم الشرطة اعترف بالحادث، وقال لهم:
- أنا لا ذنب لي، لقد أرسلني صاحب المحل المقابل فايز حيث قدم لي مئة دولار وقدم لي الكيس بالفئران وشرح لي ماذا أفعل.
فوجئ عاصم باعتراف المتهم.
- فايز أرسلك؟! لماذا؟ ما هذا الحقد الذي يعشعش في قلبه؟ كأنني لست ابن بلده ولا ابن وطنه. يريد فايز أن يملأ محلي بالفئران كي تغلق البلدية المحل، ويبقى وحيدا في المنطقة.
أحضر عاصم شركة للفئران ساعدته على القضاء عليها جميعا، وفتح محله من جديد فتضاعفت تجارته، وأصبح يملك السوق كله لا ينافسه أحد في المنطقة