علاء الاسوانى
هل أنتم حقا مع الثورة؟!
أؤكد أننى مثل المصريين جميعا أعتز بالقوات المسلحة المصرية، لكننى أجد من واجبى أن أوجه النقد إلى سياسات المجلس العسكرى الذى يقوم الآن بمهام رئيس الجمهورية… منذ أيام توجه آلاف الشبان إلى وزارة الدفاع ليرفعوا إلى المجلس العسكرى مطالب الثورة التى لم تتحقق.. كانوا يريدون التعبير عن آرائهم بطريقة سلمية متحضرة فماذا حدث؟!..
أحاطت بهم الشرطة العسكرية وحاصرتهم ثم هجم عليهم مئات البلطجية واعتدوا عليهم بالزجاجات الحارقة والسيوف والقنابل المسيلة للدموع وأوقعوا مئات المصابين..
هذا الاعتداء المروع على متظاهرين سلميين حدث أمام أفراد الشرطة العسكرية الذين لم يحركوا ساكنا لحماية الضحايا مما يدل على وجود تعليمات بعدم التدخل. هذا التصرف غير مقبول من أفراد الشرطة العسكرية فلا يمكن لهم أن يتخلوا عن واجبهم فى حماية المواطنين ويتفرجوا عليهم بينما يتم ذبحهم بالسيوف من قبل مجموعات من البلطجية المأجورين من النظام السابق، إن الرسالة التى أراد المتظاهرون إيصالها إلى المجلس العسكرى تحمل مطالب الثورة المصرية التى لم يحقق المجلس العسكرى مطلبا واحدا منها بعد انقضاء ستة شهور على تنحى مبارك وهى تتلخص فى التالى:
أولاً: معظم القضاة المصريين شرفاء يحكمون ضمائرهم فى عملهم، لكن النظام القضائى فى مصر غير مستقل حيث إن إدارة التفتيش القضائى التى تملك محاسبة القضاة تتبع وزير العدل الذى يعينه رئيس الدولة، وقد طالب القضاة مرارا بنقل تبعية التفتيش القضائى من وزارة العدل إلى المجلس الأعلى للقضاء لكن المجلس العسكرى لم يستجب.
كما أن هناك قضاة يتم انتدابهم كمستشارين فى هيئات الدولة المختلفة مقابل مكافآت مجزية، بينما هم فى الوقت نفسه ينظرون فى قضايا قد تتعلق بالجهات التى يعملون فيها كمستشارين. آخر المفاجآت فى هذا الصدد وثيقة مهمة نشرتها حركة ٦ أبريل (لعل ذلك قد ضاعف من غضب المجلس العسكرى عليها)، الوثيقة تؤكد أن السيد المستشار مصطفى سليمان أبواليسر الذى تولى التحقيق مع حسنى مبارك يعمل مستشارا لشركة مصر للطيران التابعة لوزارة الطيران المدنى، ولنا أن نتخيل مدى الحرج الذى قد يستشعره المستشار المذكور إذا عهد إليه بالتحقيق فى بلاغات إهدار المال العام المقدمة ضد الفريق أحمد شفيق. عندئذ سيكون المستشار يحقق مع الوزير الذى كان يصرف له مكافآته الشهرية..
إن إلغاء انتداب القضاة للعمل فى هيئات الدولة شرط أساسى لتحقيق استقلال القضاء، لكن المجلس العسكرى لا يستجيب له. هناك قضاة أشرفوا على انتخابات مزورة كما أثبتت أحكام محكمة النقض وقد طالب شيوخ القضاة المجلس العسكرى مرارا باستبعاد هؤلاء القضاة لكن المجلس لا يستجيب. إن العمل على تحقيق استقلال القضاء وتطهيره مطلب أساسى للثورة لا بد من تحقيقه حتى يطمئن الرأى العام لعدالة المحاكمات.
ثانيا: مع احترامنا لشخص ومقام السيد النائب العام المستشار عبد المجيد محمود، فإنه بعد أن تم تعيينه فى منصبه بواسطة حسنى مبارك اضطر إلى مواءمات سياسية فى قضايا كثيرة، ولعل النموذج الصارخ على ذلك أن النيابة العامة فى عهده لم تقم بدورها فى التفتيش على أماكن احتجاز المواطنين. لقد كان آلاف المصريين يعذبون ببشاعة فى مقار أمن الدولة وأقسام الشرطة بينما السيد النائب العام لا يأمر وكلاء النيابة بالتفتيش على الضباط..
بل إن الفريق أحمد شفيق بعد إقالته من رئاسة الحكومة تم تقديم ٢٤ بلاغاً ضده بتهمة إهدار المال العام وبعد مرور ثلاثة أشهر كاملة فإن النائب العام لم يأمر بالتحقيق معه حتى هذه اللحظة.. المطلوب الآن تعيين نائب عام جديد يعبر عن روح الثورة وقد طرحت أسماء مثل المستشار زكريا عبدالعزيز والمستشار هشام البسطويسى وهما من القضاة العظام الذين تفخر بهم مصر كلها.. إن إقالة النائب العام مطلب أساسى للثورة.
ثالثا: مازال المجلس العسكرى مصرا على إحالة المدنيين إلى محاكم عسكرية.. كيف يحال عشرات الألوف من المصريين المتظاهرين إلى محاكم عسكرية بينما ينعم قتلة المتظاهرين ورموز الفساد بكل ضمانات القضاء المدنى الطبيعى؟..
عندما طالبنا المجلس العسكرى بحل المجالس المحلية وحل الحزب الوطنى رفض المجلس العسكرى بشدة وأعلن على لسان أعضائه أنه لن يتخذ أى إجراء استثنائى، وانتظرنا طويلا حتى تم حل الحزب الوطنى والمجالس المحلية بحكم المحكمة؟..
نحن سعداء باحترامكم للقانون يا أعضاء المجلس العسكرى، لكننا ننبه سيادتكم إلى أمرين: أولا إن إحالة المدنيين إلى محاكمات عسكرية مخالفة صارخة لمبادئ القانون وللاتفاقيات الدولية التى وقعتها مصر. وثانيا: إن محكمة القضاء الإدارى فى قنا قد أصدرت مؤخرا حكما بمنع محاكمة المدنيين أمام محاكم عسكرية وقضت بالإفراج عن كل المعتقلين على ذمة أحكام عسكرية وإعادة محاكمتهم أمام القاضى الطبيعى.. لماذا إذن لا تلتزمون بالقانون وتنفذون هذا الحكم؟.. إن منع محاكمة المدنيين أمام القضاء العسكرى مطلب أساسى للثورة.
رابعا: خلال الثورة قدم الشعب المصرى ألف شهيد، وألف وأربعمائة مصرى فقدوا عيونهم من الرصاص المطاطى بالإضافة إلى ٥ آلاف مصاب وألف مفقود فى الغالب تم قتلهم ودفنهم فى أماكن مجهولة.. بعد ستة أشهر كاملة على هذه الجرائم البشعة لم تتم إدانة ضابط واحد من قتلة المتظاهرين.. الوحيد الذى تمت إدانته أمين شرطة هارب، وهو يبدو مطمئنا إلى أن أحدا لن يقبض عليه إلى درجة أنه يتصل وهو هارب ببرامج التليفزيون ليطلع المشاهدين على وجهة نظره فى الموضوعات المختلفة..
لقد طالبنا وزير الداخلية اللواء عيسوى بإيقاف الضباط المتهمين بقتل المتظاهرين عن العمل لأنهم يضغطون على أهالى الشهداء حتى يغيروا شهادتهم لصالحهم، لكن وزير الداخلية يبدو مصرا على حماية القتلة وتوفير الظروف المناسبة لكى يفلتوا من العقاب، فهو لم يوقفهم عن العمل، بل إن بعض الضباط المتهمين بقتل المتظاهرين، مثل وائل الكومى فى الإسكندرية، تمت ترقيتهم ونقلهم إلى إدارات ذات امتيازات فصاروا يحصلون على ثلاثة أضعاف راتبهم الأصلى.. إن وقف الضباط المتهمين بقتل المتظاهرين عن العمل حتى تنتهى محاكمتهم مطلب أساسى للثورة.
خامسا: أثناء الثورة رأى المصريون بأعينهم مجموعات القناصة الذين اعتلوا أسطح المنازل وقتلوا عشرات المتظاهرين بدم بارد، بل إن هناك فيلما مصورا يوضح مجموعة من القناصة وهم يعتلون سطح وزارة الداخلية بالقاهرة وقائدهم يوجههم لقتل المتظاهرين.. أين هؤلاء القناصة ولماذا لم يقبض عليهم حتى الآن؟
لقد قال وزير الداخلية إنهم غير تابعين لجهاز الشرطة ثم صدرت وثائق تؤكد أنهم تابعون للشرطة. وهنا نجد أنفسنا أمام احتمالين، إما أن وزير الداخلية لا يعرف ما يحدث فى وزارته وإما أنه لا يقول الحقيقة، وأى احتمال منهما كفيل بإقالته. إن الكشف عن القناصة ومحاكمتهم مطلب أساسى للثورة.
سادسا: منذ بداية الثورة طالبنا المجلس العسكرى بتطهير أجهزة الدولة من أتباع النظام الفاسد وحذرنا من أن تركهم فى مواقعهم سيدفعهم إلى التآمر ضد الثورة… للأسف لم يستجب المجلس العسكرى لمطالبنا وترك النظام القديم على حاله وها نحن ندفع الثمن.. معظم أحداث الفوضى والاعتداءات مدبرة من أتباع النظام السابق. منذ أيام قبض المعتصمون فى الإسكندرية على ضابط أمن دولة مندس بينهم وصادروا بطاقته.
هذا الضابط كانت مهمته أن يندس وسط المتظاهرين ليرشق قوات الجيش بالحجارة حتى تطلق النار على المتظاهرين.. قبل ذلك بأيام اعترف مجموعة من البلطجية أمام النيابة بأن عضوا بارزا فى الحزب الوطنى دفع لهم مبالغ طائلة من أجل فض اعتصام أهالى الشهداء فى حديقة سعد زعلول بالإسكندرية. حتى الدكتور السباعى الطبيب الشرعى الشهير الذى كان يكتب تقارير شرعية وفقا لطلبات ضباط الشرطة، بعد أن تم استبعاده لمدة شهرين، عاد بالأمس إلى ممارسة عمله بطريقة عادية ويبدو أنهم سيحتاجون فى الفترة القادمة إلى تقاريره المطبوخة… إن تطهير أجهزة الدولة من فلول النظام السابق مطلب أساسى للثورة.
سابعا: لأن الإعلام الحكومى لم يتم تطهيره فقد استعاد بقوة دوره القديم فى تضليل الرأى العام وتشويه صورة الثورة. من ضمن الأكاذيب التى يرددها الإعلام أن الثورة قد سببت الأزمة الاقتصادية فى مصر.
هذا الكلام مغلوط تماما أولا لأن الأزمة الاقتصادية الطاحنة تسبب فيها نظام مبارك وكانت سببا مباشرا لقيام الثورة.. ثانيا لأن الثورة المصرية لم تتول السلطة، وبالتالى فإن كل المشكلات التى حدثت بعد تنحى مبارك، المسؤول الوحيد عنها المجلس العسكرى الذى يقوم بمهام رئيس الجمهورية.. إذا كانت السياحة والاستثمارات قد تأثرتا سلبا فإن السبب فى ذلك تدهور الحالة الأمنية. الشرطة المصرية غائبة منذ ستة شهور ومن حقنا هنا أن نسأل ماذا فعل المجلس العسكرى من أجل استعادة الأمن حتى يستعيد الاقتصاد المصرى عافيته؟!..
لماذا تركت الشرطة العسكرية المتظاهرين فى قنا يقطعون خط قطار الصعيد لمدة أسبوع كامل؟!.. لماذا لم تتدخل الشرطة العسكرية أثناء هدم كنيسة أطفيح وأثناء حرق الكنائس فى إمبابة؟!.. إن إقالة وزير الداخلية الحالى وإعادة هيكلة جهاز الشرطة من أجل تحقيق الأمن مطلب أساسى للثورة.
ثامنا: لماذا يبقى حسنى مبارك فى شرم الشيخ، وهل من الطبيعى أن يختار المتهم المدينة التى يحب أن يحاكم فيها؟ هل صحيح أن حسنى مبارك قد سافر إلى السعودية وعاد أكثر من مرة؟ لماذا لا نرى صورة واحدة له، وما هذه التقارير المتضاربة عن صحته؟ لماذا لا ينقل إلى مستشفى سجن طرة ويعامل كأى مسجون آخر؟
لماذا لا يسمح بزيارته كمتهم عادى؟ ولماذا لم يسمح لأعضاء اللجنة التى زارت جمال وعلاء مبارك برؤيتهما فى السجن؟ أليس من حق المصريين أن يعرفوا الحقيقة؟ إن محاكمة حسنى مبارك وأسرته بطريقة عادلة مطلب أساسى للثورة.
هذه مطالب الثورة التى ينادى بها المتظاهرون فى كل مكان.. كلها مطالب عادلة مشروعة، وكلها فى يد المجلس العسكرى أن ينفذها لكنه لا يستجيب.. إن الأزمة التى تعانى منها مصر الآن نتيجة طبيعية لسياسات المجلس العسكرى التى اتسمت بالبطء والتخبط والتجاهل الكامل لما يريده المصريون. إن الطريق إلى مستقبل مصر يمر عبر تحقيق مطالب الثورة ولا يمكن بحال تأجيلها أو التهرب منها.
أيها السادة أعضاء المجلس العسكرى، هل أنتم حقا مع الثورة؟!
الديمقراطية هى الحل.