إعداد: الفـــــــــوال
جاسوس منذ الصغر
التقطته المخابرات الإسرائيلية وعمره خمسة عشر عاماً فقط .
كان وقتها لا يزال طالباً بالمرحلة الثانوية بالمدرسة اليهودية بالأسكندرية مركز النشاط الصهيوني بالمدينة . بعثت به في دورة تدريبية إلى إسرائيل واقنعت والديه في مصر بأنه يدرس في جامعة السربون بفرنسا وأمعاناً في التمويه أخذت ترسل الخطابات لوالده من باريس . وبعد ان أتم تدريبه في اسرائيل عاد إلى مصر عن طريق فرنسا.وبدأ في تنفيذ المهمة المكلف بها مع بقية أعضاء الشبكة الجاسوسية .. القيام بتفجيرات في القاهرة والإسكندرية بهدف الوقيعة بين الثورة والإخوان من ناحية وتشويه صورة مصر أمام العالم من ناحية أخرى ولأنه كما يقول شرب من ماء النيل فقد عاد مرة أخرى إلى الأسكندرية بعد أن قضى في السجون المصرية 14 عاماً وأفرج عنه عام 1967م ولكن ليس كجاسوس هذه المرة بل كعضو في الوفد الإسرائيلي برئاسة مناحيم بيجن عام 1979م واستقبله الرئيس السادات.
* الأحداث مثيرة يرويها روبرت داساه اليهودي الذي بدأ حياته في مصر وأنضم إلى شبكة الجاسوسية لتخريب المنشآت المصرية
الإعدام للجواسيس
في عام 1951م تم تجنيدي في الموساد كعنصر في شبكة تجسيس ظلت تعمل في مصر لمدة ثلاث سنوات. وبعد ذلك تمكنت السلطات المصرية من كشف الشبكة وضبط أعضائها . أثنان من أعضاء الشبكة شموئيل عازر ودكتور موشيه مرزوق . حكم عليهما بالإعدام وتم تنفيذ الحكم أما بقية أعضاء الشبكة فقد حكم عليهم بالسجن لفترات طويلة وبسقوط الشبكة والمحاكمات (الصورية) التي تمت بعدها ظهر في اسرائيل مصطلح (براشاه) أو الفضيحة وهذه الفضيحة لم تنته أبداً وهي تحوي اسئلة عديدة ظلت بدون اجابة لعدة سنوات طويلة . نوع من التعتيم أحاط هذا الموضوع . ولكن من كان له صلة به حاول أن يخفي أشراكه في هذه العملية تحقيق تلو تحقيق عاصفة تلد عاصفة والضحايا الحقيقيون أنا وزملائي دفعوا الثمن كاملاً وهم صامتون لسنوات طويلة لقد مكثت في السجن 14 عاماً.
وفي عام 1968م عدت لاسرائيل مع ثلاثة من زملائي في شبكة التجسس.
مارسيل نينو وفيكتور ليفي وفيليب ناتان جاء الأفراج عنهم بعد اتصالات سرية تمت بين اسرائيل ومصر بعد نهاية حرب 67 وتلك كانت المرة الأولى التي طالبت فيها اسرائيل بجدية الأفراج عنا .. فحتى ذلك الوقت لم تكن هناك أية جهود لاعادتنا خوفاً من أن يؤدي ذلك إلى تجدد المناقشات والجدال حول هذه الفضيحة .. ولكن في عام 1956م بعد أنتهاء حرب 1956م أضاعت إسرائيل من يدها الفرصة الكبيرة للأفراج عنها . لم يطالب احد أبداً بذلك ولم يفكر أحد يوماً في أن يتحمل مسؤولية ما حدث لنا من ظلم.
الفضيحة مستمرة
الفضيحة لم تنته وكل اللجان والتحقيقات والشهادات والتصريحات التي أثيرت وقتها لم تحل المشاكل الأساسية المرتبطة بها . فحتى الآن لا توجد إجابة رسمية لهذا السؤال : من كان المسؤول الرئيسي الذي أمر بتكوين الشبكة ؟ حتى الآن لم يقل بشكل علني ماذا كان هدف الشبكة وحتى الآن لم توضح اسرائيل ظروف وملابسات القبض علينا . كل العناصر المسؤولة والتي تستطيع تقديم الإجابة على هذه الأسئلة تهربت من المسؤولية أما أنا وأصدقائي فقد دفعنا ثمن هذا التهرب.
يوم الأربعاء 14 أغسطس1954م جلست على دكة خشبية صلبة في الدرجة الثانية من القطار وأنا اتضور جوعاً ويداي مكبلتان بالكلبشات كنت محاطاً من كل جانب بضباط المخابرات المصرية الذين رفضوا الرد على أسئلتي لماذا قبضوا على ؟ وإلى اين سوف يأخذونني؟ وماذا حدث لأهلي وأخي واختي؟ كان هذا الصيف شديد الحرارة في مصر وفي الساعة المبكرة من الصباح بدأت تظهر بودار الحرارة الشديدة.. وبعد 10 أيام من سقوط الشبكة وجدت نفسي مذهولاً مكبلاً بالقيود الحديدية داخل احد القطارات القديمة وبدأت الأحداث تتوالي بسرعة كبيرة بدون ان استطيع أن أوقفها أو أفهم حتى ماذا يحدث.
الحنين إلى الاسكندرية
وبعد 25 سنة من ذلك اليوم في صيف 1979م عدت إلى الأسكندرية في طائرة سلاح الجو الإسرائيلي كعضو في الوفد الذي رافق رئيس الوزراء الاسرائيلي حينئذ مناحيم بيجن.
قضيت داخل السجون المصرية 14 عاماً سنوات طويلة وأنا في تلك الأزمة اعاني من الوحدة والأحساس بالضياع من جراء التعذيب القاسي والمادي والمعنوي.
في عام 1968م أطلق المصريون سراحي ووصلت إلى إسرائيل وفي تلك المرة لم أصل كعميل للمخابرات ولكن كمهاجر جديد وطوال السنوات التي مرت منذ ذلك الوقت كنت مشتاقاً ولدى رغبة كبيرة في العودة لزيارة الأسكندرية مسقط رأسي البلد الذي ولدت فيه. وفي عام 1977م عندما شاهدت الرئيس السادات يهبط على سلم طائرته في مطار بين جوريون أثناء زيارته التاريخية لاسرائيل قلت لنفسي : إذا كان أكبر أعداء إسرائيل جاء إلى هنا في زيارة سلمية . إذن فكل شيء ممكن وفي يوم من الأيام ساستطيع انا أيضاً العودة لمصر.
الرئيس السادات يستقبلني
منذ ذلك الحين زرت مصر أكثر من 20 مرة لكن في كل مرة وحتى الآن أشعر قبل السفر باضطراب في امعائي ومشاعر خوف تنتابني وجبن يجتاحني ولا يتركني إلا بعد أن أعود لاسرائيل . ليس سهلاً أن أصف هذه المشاعر ولم أخبر بهذا أبدأ حتى عائلتي.
هذا الشعور أنتابني أول مرة صيف 1979م في لحظة صعودي لطائرة سلاح الطيران الإسرائيلي التي أقلتني إلى مصر بعد 11 عاماً من تركي لها هبطنا في مطار جناكليس بالقرب من الأسكندرية عشرات الأفكار تجتاحني لم أفهم كيف كنت مسجوناً خطيراً في مصر وأنا مولود في مصر وقد شربت من ماء النيل كما يقول المصريون ثم أعود إلى الإسكندرية ويستقبلني الرئيس انور السادات . وكانت ذروة الزيارة في المساء في بيت أختي في حي المعمورة بالقرب من القصر الصيفي للرئيس السادات . من الصعب أن أفهم لاجد الجواب .. كانت زيارة خاصة بعد أن جاء في أثرى عدد من الصحفيين الأسرائيليين بالإضافة إلى عشرات من الجيران الذين تجمعوا حولنا بعد أن سمعوا عن شقيق (عودا) اليهودي الذي وصل مع رئيس حكومة إسرائيل كلهم حضروا أيضاً للمشاركة في هذا الإحتفال وكات اختي قد تزوجت من مصري مسلم غني.
هل هناك خيانة ؟
يستطرد الجاسوس الإسرائيلي في الحديث مستغرباً عملية كشف خليته الجاسوسية قائلاً: هل من الممكن أن يقوم شخص بلا بلاغ عنا ؟ هل هذا معقول ؟ هكذا كنت احدث نفسي وأنا جالس على دكة القطار وأفكر في الأشياء التي كنت أخشى حتى من التفكير فيها . وفي كل لحظة أغير موقفي فاحياناً أكون مقتنعاً أنه نوع من الحظ السييء وأحيانا أخرى اقتنع بأن هناك من خاننا . كل هذا وأنا أتذكر الوعود التي تلقيناها ولم تنفذ حيث قالوا لنا أنه يجب أن نبدأ فوراً في العمليات ولا نفكر في التراجع أو إعداد جوازات السفر لان كل شيء سيكون جاهزاً . ولكن كل هذا لم يحدث.
يالها من فضيحة : ومن وقتها مرت سنوات عديدة سمعت خلالها أن العمليات التي قمنا بها كانت اعمال مجموعة من الهواة غير المسؤولين في البداية تحملنا بالطبع المسؤولية كاملة لم نعرف أنه بذلك ستتحول إلى خيانة من جانب وتهرب من تحمل المسؤولية من جانب آخر والشيء الذي أعرفه الآن أن من قام بالتخطيط بصورة غير مسؤولة هو المسؤول والمذنب الأول وليس نحن والذي يؤلمني أكثر من الخيانة وهو الم لا ينتهي أبدا.
كل هذا كان يدور بخاطري وانا مسافر في القطار ولا أعرف اين سينتهي بي المطاف.