استخدمت الحيوانات بطريقة أكثر رمزية وليس فقط للتعبير عن نفسها
براعة أعمالها الفنية وإقبال الجمهور ساعداها على بيع بعضها بمبالغ كبيرة
تحنيط الحيوانات من الفنون الصعبة إلا أن مورغان اختارت الصعب ونجحت
ترجمة- كريم المالكي:
بولي مورغان فنانة اختارت أن تعمل في مجال يمكن تسميته بالفن الصعب ألا وهو فن تحنيط الحيوانات، لكنها مع ذلك اجتهدت في مجال, قادتها الصدفة إليه لتقدم أعمالا فنية في غاية البراعة لاقت إقبالا كبيرا فقد تم شراء بعض أعمالها بمبالغ نقدية كبيرة جدا. وتتخذ مورغان من العاصمة البريطانية لندن مقرا لها حيث استطاعت من خلال مشغلها البسيط أن تحقق نجاحا وشهرة بشهادة الآخرين.
أما فيما يتعلق بأدوات عملها فإن جميع الحيوانات التي تقوم بتحنيطها وتعمل عليها لتقدمها في أعمالها تكون عادة من ضحايا الطرق أو تلك التي يتم التبرع بهم من قبل أصحاب الحيوانات الأليفة والأطباء البيطريين بعد ان تتعرض هذه الحيوانات إلى وفاة طبيعية أو نتيجة لعدم القدرة على إنقاذها. كما انها تختلف عن بقية محنطي الحيوانات التقليديين لأنها لاتحاكي البيئة الطبيعية للحيوانات، وإنما تضعهم بعد تحنيطهم في وضع مخالف على ما كانوا عليه، وتعمل على جعل كل حيوان جزءا من حالة بصرية تحتاج إلى أكثر من تفسير وتبهر المتلقي حينما ينظر إليها.
في استوديو صغير في بيثنال غرين في لندن الذي هو مشغلها، بادرت بولي مورغان بفتح "المجمدة" التي تعتبرها الخزينة التي تحوي أثمن أدواتها الشخصية لتكشف عن مجموعة منتقاة من الحيوانات الميتة حيث كان فيها الغربان والحمام وطيور الكناري والقاقم الأوربي (حيوان من فصيلة بنات عرس). والبعض من هذه الحيوانات لا زال يحمل فروة أو نزع ريشه بأكمله حين أن البعض الآخر تم سلخ جلده. ومن الواضح أن مورغان تعمل حاليا على إقامة معرض شخصي لتقدم من خلال هذا الفن الذي تميزت به والذي يعتبر من الفنون غير الشائعة . وتقول مورغان:لا يزال لدي الكثير من العمل للقيام به.
تعد مورغان التي تبلغ من العمر (30 عاما) واحدة من بين عدد قليل جدا من الفنانين الذين يعملون في تحنيط الحيوانات. وتعتبر مورغان الحيوانات النافقة هي الوسط التي تجد نفسها فيه لكونها استطاعت ان تقدم أعمالا لها قراءات مختلفة لكل من يجد رؤية حتى وان كانت بسيطة في هذا الفن. وعلى خلاف محنطي الحيوانات التقليديين فإنها لا تحاكي البيئة الطبيعية للحيوانات، وإنما تضعهم بعد تحنيطهم في وضع مخالف على ما كانوا عليه، حيث تقوم وبحرفية الخبير بجعل كل حيوان جزء من حالة بصرية تحتاج إلى تفسير.
وتقول مورغان "عندما بدأت العمل في البداية كنت أرغب في أن أخلط توقعات الناس عن تحنيط الحيوانات وأن أحرر الحيوانات من نطاق التجمع المحيط بأنواعها. أما الآن فقد بدأت باستخدام الحيوانات بطريقة أكثر رمزية، وليس فقط لتمثيل أنفسهم". وقد جسدت مورغان ذلك واقعا على أعمالها ففي القطعة التي أشتغلتها مؤخرا والتي أسمتها " نداء كاريون"حيث تظهر عددا من الكتاكيت وهي تبرز أفواهها مندهشة من خلال تابوت متعفن . وتضيف مورغان قائلة:" أردت من خلال ذلك وبطريقة ما أن أبدي تحديا لتصور الناس عن الكتاكيت. وفي الوقت نفسه رغبت في أن أقوم أيضا باستكشاف انتصار الحياة على الموت، وحقيقة أن الأشياء تموت لكن هناك أشياء تتشكل في كل وقت".
والفنانة مورغان عضو في نقابة محنطي الحيوانات، وتقوم هي بنفسها بتثبيت جميع الحيوانات التي تستخدمها في أعمالها. وتوضح "اعتقد ان شعبيتي أكبر على الأرجح بين أولئك الذين يشككون في الفن الإدراكي على اعتبار أنهم يمكن أن يتصوروا كيف أني قد وضعت العمل بالشكل الذي يناشد أخلاقيات عملهم. وتضيف أستطيع أن أتعاطف مع ذلك الشيء الذي يمكنني أن افعله، وقد يكون لا يستحق ذلك الشعور بدرجة ما، وانه يصبح أكثر تحديا عند النظر إلى سرير محطم بحيث يعيد إلى الأذهان ذلك الشيء الذي يمكن أن يسحبك منه للذهاب إلى المعرض، ويخامرك شعور بالرهبة والدهشة.
ولم يكن مخططا لمورغان أن تسلك هذا المشوار الصعب وتصبح فنانة في هذا المجال الذي هو في الأساس غير شائع بين أوساط الرجال فكيف الحال مع امرأة. وفي تفاصيل حياتها انها بعد فترة وجيزة من تركها المدرسة راودتها فكرة أن تصبح ممثلة ولكنها بدلا من ذلك اختارت الذهاب إلى الجامعة في لندن. ومع أن الخطوة التي اتخذتها كانت حاسمة، لكنها عملت كعاملة في حانة، وتقول مورغان ان العمل هناك قد غير كل شيء.
كانت الحانة شرق غرف معرض الكهرباء في لندن، والذي يعتبر مكانا مهما للإطلال على المشهد الفني في نهاية عقد التسعينيات. لقد عملت مورغان هناك لمدة ست سنوات، وأصبحت صديقة لكثير من الفنانين البريطانيين الشباب. ومن هناك بدأت الخروج مع الفنان "بول فراير"، وهو صديق قديم لداميان هيرست من ليدز والعمود الفقري لتلك المجموعة.
وتقول مورغان: "كنت حقا اشعر في ذلك الوقت بالإحباط في المجال الإبداعي، ولا أعرف ما الذي يجب ان أقوم به في حياتي، اشتريت كمية كبيرة من الطين وبدأت النحت، وكنت أحاول أن أكتب النصوص وأقدم الأفلام القصيرة ثم جاءتني فكرة محاولة تحنيط الحيوانات". ان ولع مورغان بالحيوانات يعود إلى طفولتها في كوتسوولدز حيث تستذكر مورغان قائلة: لم يكن لدينا أي أموال وكان والدي دائما يحاول التفكير في إيجاد وسائل جديدة للحصول على بعض المال، أولا فكرنا بلحوم النعام لتكون وسيلتنا، ثم اللاما أو الماعز وقد انتهى الأمر باختيار مئات الحيوانات. لقد اعتاد أبي الذي كان شخصا غريب الأطوار، ومن النوع المحب فعلا للحيوانات، أن يتم تشريح الحيوانات أمامي عندما تموت وذلك لمعرفة ما إذا كانت قد أكلت شيئا غريبا. وقد وجدت أن ذلك التوجه أمر في غاية الروعة.
وتابعت مورغان: ذهبت إلى اسكتلندا للانخراط في دروس المحنط جورج جاميسون في أكتوبر 2004، وقد ألهمتني أعمال فنان التحنيط المشهود له الفيكتوري "والتر بوتر" الذي شملت أعماله المجسمة لوحات حية لسناجب وهي تلعب الورق . ومن هناك بدأت مورغان بتحنيط الطيور التي تجدها لها والدتها على جانب الطريق، وبعد ذلك كانت تعمل على وضعها في سياقات غير عادية.
وبعض الأعمال التي قدمتها مورغان في بداياتها كان عبارة عن سنجاب يحمل جرة جرس مع ذبابة حطت في داخله على قمة مكعب سكر، وعقعق (غراب طويل الذيل) له جوهرة في منقاره وقدمتهما في منحت آخر في لندن، ولكن عندما رآهم الفنان "بان كيسي" عرض عليها مساحة في معرضه "سانتا غيتو". وعندما وصفت قطعتها التالية – التي كانت عبارة عن فأر ملتف حول نفسه وضعته فوق عربة صغيرة لتقديم المشروبات – إلى الفنان والمصور وولف لنكيوزك أعطاها مكان في معرض بحديقة الحيوان في لندن لتقوم بتقديم أعمالها الفنية. وقد تم شراء العمل من قبل السيدة فانيسا برانسون، شقيقة ريتشارد، بقيمة وصلت إلى 2000 جنيه استرليني قبل أن يبدأ الافتتاح الرسمي للعرض.
وتضحك مورغان وهي تقول: فجأة كان هناك عمل لي في"آرت رفيو" وتمت مقابلتي في برنامج للأخبار ولم يمض على دخولي عالم فن تحنيط الحيوانات سوى بضعة أشهر، كنت صديقة لكل هؤلاء الناس الذين تخرجوا من كلية الفنون وآخرون أتموا درجة الماجستير ولم يحصلوا على أي اهتمام من الصحافة. وأنا هنا فكرت: يا إلهي الجميع قد يذهبون إلى كراهيتي. ولكن في الواقع كان الجميع داعمين لي للغاية".
وما تبع ذلك كانت الفترة الذهبية وذلك عندما بدأت أعمال مورغان تباع على نحو أكبر وأكبر. ثم، في أواخر عام 2008، وقعت الكارثة حيث تعترف مورغان: لقد أصيبت أعمالي وعلى نحو سيئ للغاية بالكساد بسبب أزمة المال والاقتصاد التي ضربت العالم. وأضافت "بدأ الجميع فجأة بالانسحاب من المبيعات، وأدركت بأني لا امتلك شيئا يمكنني الاعتماد عليه. واضطررت إلى اقتراض بعض المال من صديق وبدأت بالبحث عن عمل، إن أسوأ شيء يمكن أن تواجهه هو أنك تمتلك قليلا من النجاح وبعد ذلك تعاني الفشل. لقد كان أمرا مذلا، ولكن أيضا أخضعني لتجربة حقيقية لها انعكاسات جيدة على مسيرتي. وكان عدم بيع أي شيء لمدة تراوحت بين ستة إلى ثمانية أشهر يعني ان علي التفكير بكثير من الجهد بشأن ما كنت فعلته.
ومنحها هذا التوقف وقتا للعمل على قطعة كانت قد ظلت منشغلة وتفكر فيها لعدة أشهر.ويتألف عملها الفني الذي حمل عنوان "الأسفار" من 30 طيرا من العصافير إلى النسور تم جمعها وتسخيرها، لتظهر وكأنها تقوم بحمل قفص بحجم الإنسان. لقد تم صياغة العمل على نحو مرن على غرار اختراع فيكتوري غريب الأطوار، وهو من أكبر أعمال مورغان حتى الآن حيث بيع العمل ب 85 ألف جنيه أسترلينى وقد أتاح لها ذلك المبلغ أن تواصل العمل كفنان بدوام كامل.
وفي الوقت نفسه، كانت مورغان قد نسجت علاقة مع "مات كوليشاو" وهو فنان استطاع ان يقدم لها دعما في بعض من المناسبات التي شاركت فيها مورغان، وكان إسهامه واضحا في معرض" الإحساس" الذي أقيم في الأكاديمية الملكية في لندن في عام 1997. وفي الوقت الحاضر تعمل مورغان جاهدة على معرضها الشخصي المقبل (psychopomps) . وأحد الأعمال المثيرة التي تقدم في هذا المعرض عن مخلوق أسطوري عبارة عن مجموعة من التماثيل الضخمة المجنحة – وهذه هي المرة الأولى التي تستخدم فيها الحيوانات الهجينة والوحشية غير الأليفة.