على الدول الكبرى أن تبدأ فوراً الحديث عن كيفية الحد من تهديد الحرب السيبرية لتقييد أي هجمات
ترجمة - كريم المالكي :
لقد حان الوقت بالنسبة لبلدان العالم ان تبدأ بإجراء محادثات جدية حول الحد من التسلح الذي يستهدف شبكة الانترنت والذي يعتبر الخطر القادم الذي يمكن ان يحدث زلزالا يصيب القاصي والداني. لقد أصبح الفضاء السيبَري يسمى المجال الخامس للحرب، أي انه يأتي بعد الحرب في البر والبحر والجو والفضاء. وتذهب بعض السيناريوهات في حالة استهداف شبكة الانترنت إلى تصور حدوث انهيار فوري لمعظم النظم تقريبا التي تبقي على استمرارية الحياة الطبيعية واليومية للناس في العالم. وبلا شك انه عندما تتعرض شبكات الكمبيوتر إلى هجمات، فعندها ربما تحدث انفجارات في المعامل والمصانع الكيماوية وبالتأكيد حتى الأقمار الصناعية تخرج عن نطاق السيطرة فضلا عن الشبكات المالية. كما ان شبكات الطاقة كلها تصاب بالشلل التام. إذن ما هي الخطوات التي ينبغي ان تتخذها الدول لاسيما الدول العظمى لمواجهة هكذا هجمات خصوصا وان العالم قد شهد بعضا منها من قبل. وعلى الدول الكبرى ان تبدأ فورا الحديث عن كيفية الحد من تهديد الحرب السيبرية، وذلك بهدف تقييد الهجمات قبل فوات الأوان. عبر معظم مراحل التاريخ أحدثت التكنولوجيات الجديدة ثورة في معدات الحرب، وفي بعض الأحيان تكون هذه الثورات بشكل مفاجئ، وفي أحيان أخرى تدريجيا فقط: من حيث التفكير في عربة البارود والطائرات والرادارات والانشطار النووي. ومن الواضح أنها قد تكونت بفضل تكنولوجيا المعلومات، وقد عملت أجهزة الكمبيوتر والإنترنت على تحويل الاقتصاديات ومنحت الجيوش الغربية مزايا كبيرة، مثل القدرة على إرسال طائرات موجهة عن بعد إلى جميع أنحاء العالم لجمع معلومات استخبارية فضلا عن مهاجمة الأهداف. ولكن انتشار التكنولوجيا الرقمية يأتي بتكلفة باهظة الثمن لأنه يعرض الجيوش والمجتمعات للهجوم الرقمي. إن التهديد معقد ومتعدد الأوجه وينطوي على مخاطر جمة لاسيما بعد ان أصبحت أن المجتمعات الحديثة أكثر اعتمادا من أي وقت مضى على أنظمة الكمبيوتر المتصلة بالإنترنت، وبالتالي فإن ذلك يعطي المزيد من وسائل الهجوم إلى الأعداء. وإذا ما تم تعطيل محطات الكهرباء والمصافي والمصارف وأنظمة السيطرة على الملاحة الجوية، فإن الناس سوف يفقدون حياتهم. ومع ذلك، هناك عدد قليل من القواعد، إن وجدت، في الفضاء السيبَري التي تكون من ذلك النوع الذي يحكم السلوك، وكذلك الحال بالنسبة لمعدات الحرب، في مجالات أخرى. وكما هو الحال مع السيطرة على الأسلحة النووية والأسلحة التقليدية، فإن الدول الكبرى يجب ان تبدأ بالحديث عن كيفية الحد من التهديد بالحرب السيبرية، وذلك بهدف تقييد الهجمات قبل فوات الأوان.
الحرب في المجال الخامس
أصبح الفضاء السيبري المجال الخامس للحرب، بعد البر والبحر والجو والفضاء. إن بعض السيناريوهات تذهب إلى التصور حدوث فشل فوري لمعظم النظم تقريبا التي تبقي استمرارية العالم الحديث. كما انه عندما تنهار شبكات الكمبيوتر، فإن المعامل والمصانع الكيماوية تنفجر والأقمار الصناعية تخرج عن نطاق السيطرة والشبكات المالية وشبكات الطاقة كلها تصاب بالشلل التام. ويبدو هذا السيناريو مثيرا للقلق للكثير من الخبراء. ومع ذلك يتفق معظمنا على ان التسلل للشبكات يعتبر أمرا سهلا جدا بالنسبة لأولئك الذين لديهم الإرادة والوسائل والوقت للتخطيط لمثل هذه الأعمال. أن هذه الحكومات تعرف ذلك لأنها تشبه هؤلاء القراصنة المتحمسين أنفسهم. ان الجواسيس في كثير من الأحيان يخترقون أنظمة الكمبيوتر لسرقة المعلومات من قبل مخزن التحميل، سواء كان من جوجل أو متعاقدين الدفاع. ومن المعروف أن اختراق أنظمة الشبكات لإلحاق الضرر بها ليس أمرا بتلك الصعوبة. وإذا كانت الجهة المنفذة تولي ما يكفي من الرعاية والاهتمام فإنه لا أحد يستطيع أن يثبت أنها فعلت هذا. ان الهجمات السيبَرية التي حدثت على استونيا في عام 2007 وتلك التي شنت على جورجيا في عام 2008 (وقد حدثت هذه الأخيرة على نحو غريب بحيث تزامنت مع تقدم القوات الروسية في منطقة القوقاز) يفترض وعلى نطاق واسع انها قد وجهت من قبل الكرملين، ولكن من الممكن أن يعزى ذلك فقط إلى مجرمي الانترنت الروس. والكثير من أجهزة الكمبيوتر التي استخدمت في الهجوم كانت تعود ملكيتها إلى أشخاص أمريكيين أبرياء ممن تم اختطاف أجهزة الكمبيوتر الخاصة بهم. وتشتبه الشركات بالصين من حيث تنظيم غارات مصغرة للوصول للمعرفة الغربية، ولكن بسهولة يمكن أن يكونوا من المجرمين الغربيين، وقراصنة الكمبيوتر أو من الموظفين السابقين الذين تم التضليل بهم. ومن بين أحد الأسباب التي تجعل الحكومات الغربية حتى وقت قريب متحفظة حول التجسس السيبراني هو بالتأكيد لأنه في أيد بارعة أيضا. كما هو الحال بالنسبة للقنابل النووية، فإن وجود الأسلحة السيبرية لا يعني في حد ذاته أنها على وشك أن تستخدم. وعلاوة على ذلك، فإن المهاجم لا يكون متأكدا من حجم التأثير الذي يسببه الهجوم على بلد آخر، مما يجعل انتشار الأسلحة ينطوي على مخاطر جمة. وهذا هو العائق بالنسبة للآليات العسكرية المتطورة، ولكن ليس بالضرورة للإرهابيين أو جيوش الدول المارقة الذي من شأنه ان يترك مخاطر الجريمة مباحة على الانترنت. وكل هذا يؤدي إلى عدم استقرار خطير. أن الأسلحة السيبرية قد جرى تطويرها سرا، من دون الالتفات أو مناقشة كيف ومتى يمكن استخدامها. ولا أحد يعرف حجم القوة الحقيقية لهذه الأسلحة، لذلك فأن على البلدان أن تستعد لما هو أسوأ. وتضاف إلى المخاطر مسألة السرية التي من شأنها مع الأخطاء، وسوء التقدير وسوء التحديد ان تؤدي إلى تصعيد عسكري سواء بواسطة الأسلحة التقليدية أو الأسلحة السيبَرية. ان السرعة التي يمكن ان تشن بها الهجمات الالكترونية لا تعطي سوى القليل من الوقت للتفكير الهادئ ومفاضلة الخيارات المتاحة التي تتم في وقت مبكر، بما فيها الهجمات الوقائية. وحتى عندما تزيح أنظمة الأسلحة المشغلة بواسطة الكمبيوترات أو بواسطة نظام المشاة السلكي بعضا من ضباب الحرب في ساحة المعركة، فإنهم قد يحيطون الفضاء السيبَري بغطاء من عدم اليقين. وكان الرد العسكري هو واحد من ردود الفعل لهذا التهديد المتزايد. وتزعم إيران أن لديها ثاني أكبر جيش في عالم الحاسوب (جيش سيبَري). كما تعزز كل من روسيا وإسرائيل وكوريا الشمالية جهودها الخاصة نحو ذلك. وقد قامت أمريكا بإطلاق القيادة السيبَرية الجديدة للدفاع على حد سواء عن شبكاتها ووسائل الهجمات على أعدائها. كما ان حلف شمال الأطلسي يقوم بمناقشة المدى الذي ينبغي أن تعتبر فيه الحرب السيبَرية شكلا من أشكال "الهجوم المسلح" التي من شأنها أن تلزم أعضاءها بالتوصل إلى تقديم المساعدة لدولة عضو في الحلف. ولكن العالم يحتاج إلى الحد من الأسلحة السيبَرية (مراقبة الانترنت) وكذلك للردع السيبَري. ولا تزال أمريكا حتى وقت متأخر تعارض معاهدات الأسلحة الخاصة بالفضاء السيبَري خوفا من أن قد تؤدي هكذا معاهدات إلى تنظيم عالمي صارم للانترنت، والذي من شأنه أن يقوض هيمنة شركات الإنترنت الأميركية، وخنق الابتكار والحد من الانفتاح الذي تقوم على أساسه الشبكة. وربما أيضا لدى أمريكا مخاوف من أنها قد تفقد جهودها الخاصة الكبيرة في مجال الحرب السيبيرية إذا تم على نحو جيد كبح جماح جواسيسها السيبريين، والمحاربين السيبريين في هذا المجال. في النهاية ان مثل هذا التفكير يظهر علامات التغير، وهذا شيء جيد للغاية. وربما ان أمريكا، باعتبارها الدولة الأكثر اعتمادا على أجهزة الكمبيوتر هي الأكثر تعرضا للهجوم السيبري. وتشير قوتها العسكرية التقليدية إلى أن الأعداء سوف يبحثون عن خطوط غير متناسقة للهجوم. وان فقدان جملة من الأسرار من خلال مخاطر التجسس تؤدي إلى تآكل ريادتها الاقتصادية والعسكرية.
ضرورة إبرام المعاهدات
إذا كانت السيطرة على الحرب السيبرية هي لصالح أمريكا، فقد يكون من الحكمة أن تتشكل هذه الاتفاقات، في حين أنها لا تزال تملك اليد الطولى في مجال الفضاء السيبري. لذلك فإن للجنرال كيث الكسندر، الجنرال الذي يرأس القيادة السيبرية، الحق في الترحيب بالدعوات التي تطلقها روسيا منذ فترة طويلة من أجل إبرام معاهدة على اعتبار أنها "نقطة انطلاق لنقاش دولي". حيث قال ان نمط معاهدة ستارت قد يكون أمرا من المستحيل التفاوض عليه. ومن الممكن عد الرؤوس الحربية النووية، والصواريخ التي تتعقب. ان الأسلحة السيبرية تشبه على نحو كبير العوامل البيولوجية، ومن الممكن أن تصنع في أي مكان تقريبا. لذلك في الوقت نفسه على الدول الموافقة على اتفاقات أكثر تواضعا، أو حتى مجرد "قواعد طريق" غير رسمية والتي من شأنها تزيد من التكلفة السياسية للهجمات السيبرية.
وربما يمكن أن يكون هناك اتفاق لمنع اعتداءات "الحرمان من الخدمة" التي تسببت في الإطاحة بالمواقع الالكترونية الأستونية والجورجية مع حزمة من الطلبات الزائفة للحصول على معلومات، وبإمكان حلف شمال الأطلسي والاتحاد الأوروبي ان يجعلا الامر واضحا من أن الهجمات على شبكة الإنترنت (الفضاء السيبري)، كما هو الحال في العالم الحقيقي، ستثير رد فعل، كما ان الأمم المتحدة أو الدول الموقعة على اتفاقيات جنيف يمكنها أن تعلن ان شن الهجمات السيبيرية على المرافق المدنية، تشبه الاعتداءات الجسدية بواسطة القنابل والرصاص، وتعد أمرا محظورا في الحرب، ويمكن للبلدان الغنية ممارسة الضغط الاقتصادي على الدول التي لا تتخذ تدابير لمكافحة مجرمي الانترنت. وينبغي تشجيع البلدان لتوضيح سياساتها العسكرية في الفضاء الإلكتروني (الفضاء السيبري)، كما تفعل أمريكا مع الأسلحة النووية، والدفاع الصاروخي والفضاء. ومن الممكن أن يكون هناك مركز دولي لرصد الهجمات السيبرية، أو مركز دولي يتخصص بـ"واجب المساعدة" للبلدان الخاضعة للهجوم السيبري، بغض النظر عن جنسية المهاجمين أو الدافع وراء الهجوم، أي يكون شبيها بواجب السفن التي تهب لمساعدة البحارة الذين يقعون في محنة. ان الإنترنت ليس "مشاعا"، ولكن شبكة من الشبكات في معظمها تكون مملوكة للقطاع الخاص. ومن الممكن أيضا أن يكون هناك الكثير الذي يمكن تحقيقه عبر تعاون أكبر بين الحكومات والقطاع الخاص. ولكن في النهاية أن العبء الأكبر لضمان أن أنظمة كمبيوترات الناس العاديين التي ليست موضع للانتقاء من قبل المجرمين أو محاربي الانترنت، وهم في نهاية المطاف يأتون أخيرا، وعلى وجه الخصوص مجهزي خدمة الانترنت الذين يقومون بتشغيل الشبكة. ومن الممكن أن يتحملوا المزيد من المسؤولية لتحديد أجهزة الكمبيوتر المصابة وتحديد موقع الهجمات فور حدوثها. وإن أيا من هذه العناصر لا تستطيع استئصال الجريمة أو التجسس أو حروب الفضاء الإلكتروني، ولكن يمكن أن تجعل العالم أكثر أمنا قليلا.
هل سينجح قائد السيبر؟
وهل سينجح القائد الجديد الذي عينته وزارة الدفاع الأمريكية (البنتاجون) التي اعلنت قبل عدة اشهر عن تنصيب اول مدير عام لادارة ومراقبة حرب "السيبر سبيبس" على الرغم من المخاوف التي اثيرت حول عملية عسكرة الفضاء السيبري أو عالم الانترنت الافتراضي.
وسمي جنرال باربعة نجوم وهو الجنرال كيث الكسندر كي يقود ما أطلقت عليه الوزارة "قيادة السيبر" والتي صممت من أجل مواجهة الحرب على الانترنت وتم تنصيبه في حفلة خاصة في قاعدة "فورت ميد" بميرلاند. وجاء الكشف عن هذا التعيين بعد الكشف عن ان اكثر من 30 الف من جنودها قد طلب منهم القيام بمهام إضافية للمساعدة في حرب السيبر.
وتقول صحيفة "اوبزيرفر" ان الاعلان عن قيادة عامة للسايبر جاء ردا على المخاوف المتزايدة من تعرض الجيش الأمريكي وقواته وشبكاته لهجوم على الانترنت.
ويذكر ان التفكير بقيادة عامة للسيبر بدأ في عهد الرئيس جورج بوش حيث تواصل النقاش حولها بعد وصول باراك أوباما للحكم واقتنعت بجديتها الادارة الجديدة. وكان أوباما قد وصف في وقت سابق الحرب على الانترنت بانها من "اكثر التحديات القومية والاقتصادية التي تواجهها أمريكا كأمة".
ويشير القادة الأمريكان إلى أن الولايات المتحدة تتعرض يوميا لمئات الالاف من الهجمات. وينظر إلى أن الهجمات على الانترنت زادت قدرتها القتالية وكفاءتها فيما تتهم الصين بانها تقود الحرب وتقف وراء اهم العمليات الأخيرة، خاصة انها استهدفت "جوجل" وعشرين شركة إضافة إلى حملة "تيتان رين" عام 2003، والتي تضمنت سلسلة من الهجمات المنسقة على شبكات الانترنت الأمريكية. وإضافة إلى الصين تتهم كل من روسيا وكوريا الجنوبية بوقوفهما وراء هجمات كبيرة. فمن ناحية تتهم روسيا بالوقوف وراء هجوم واسع على استونيا عام 2007. وهي العملية الاكبر التي تتم على السيبر.
وكان موضوع القيادة العامة للسيبر قد ظهر للعلن عندما كشفت "واشنطن بوست" عن عملية "دوت ميل" تديرها وحدة حروب السيبر في فورت ميد بدعم من الكسندر من أجل اغلاق "مصيدة عسل على الانترنت. وعلى الرغم من اعتراضات سي أي ايه فقد تمت مهاجمة الموقع من وحدة فورت ميد الامر الذي ادى إلى اغلاق 300 مزود لخدمات الانترنت في السعودية والمانيا وتكساس.