هوانغ ميونغ "قد أكون موظفة جيدة لكني بالنسبة لعائلتي أم وزوجة فاشلة
بسبب ضغوط العمل الكبيرة..المرأة الكورية العاملة تتخلى عن الزواج والولادة
إذا أصبحت المرأة حاملا تتعرض للضغوط كي لا تحصل على إجازة أمومة
العيش بدون زوج وعدم الإنجاب تسبب في مشكلة ديموغرافية في شرق آسيا
ترجمة -كريم المالكي :
في إعلان نُشرَ على صفحة كاملة في صحيفة يومية وحمل عنوان "أنا امرأة سيئة" كشفت فيه الام هوانغ ميونغ المعضلة التي تعيشها في حياتها كونها أم تعمل في كوريا الجنوبية. وكتبت هوانغ، التي تعمل كمدير تنفيذي للتسويق وهي أم لابن يبلغ من العمر (6) سنوات "قد أكون موظفة جيدة، ولكن بالنسبة لعائلتي فأنا فاشلة، في عيونهم، أنا زوجة ابن سيئة، وأم سيئة و زوجة سيئة". وفي الواقع ان الإعلان الذي كان من الامور غير مألوفة جدا قد اوضح حجم الاستياء والغضب المكبوت اللذين يعتبران من القضايا الشائعة والمعروفة بين النساء العاملات في جميع أنحاء كوريا الجنوبية.
يعملون ولا ينامون
في بلد حيث يعمل الناس أكثر وينامون أقل من أي مكان آخر في العالم المتقدم، غالبا ما أزيحت المرأة عن المكافآت في حياتها المهنية. وإذا كان لديها وظيفة، فإنها لا تحقق الا نسبة تقل بمقدار 38 في المائة من المال عن الرجال، وهي الفجوة الأكبر بين الجنسين في العالم المتقدم وإذا أصبحت المرأة حاملا، فأنها تتعرض للضغوط في العمل لكي لا تحصل على إجازة أمومة مضمونة من الناحية القانونية.
ونتيجة للمساواة بين الجنسين في التعليم، فان المهارات المهنية والطموحات المهنية للمرأة في كوريا الجنوبية قد ارتفعت بشكل لافت خلال العقدين الماضيين. لكن هذه المكاسب قد اصطدمت بثقافة الشركات التي تعمل على تهميش المرأة في الكثير من الأحيان في مكان العمل،أو يتم طردهن كمجموعة . إن المرأة التي تجمع بين العمل والأسرة تجد نفسها محصورة في إطار الوقت المحدود جدا والشعور الكبير بالذنب بسبب إهمال تعليم الأطفال في بلد هاجسه الأول التعليم، وبسبب التهرب من الالتزامات العائلية على النحو الذي تمليه عليه حالتها كزوجة، وكذلك لفشلها في التواجد لرعاية وإطعام الزوج الساخط الذي يعمل عادة بشكل يفوق طاقته.
وعندما اشتكت هوانج في اثنين من إعلانات الصحف فقد دفعها ذلك الى ان تظهر في صحف سيول في الخريف الماضي حيث تقول "نحن نعمل بكد أكثر من أي شخص لإدارة شؤون المنزل وكسب الأجور، فلماذا نحن نوصف بالأنانية، وبأننا نساء غير مسؤولات؟"
وعندما نشرت الإعلانات في سبتمبر الماضي لم يظهر فيها اسم هوانج . لكنها منذ ذلك الحين اعترفت بانها قامت بشرائها، وذهبت الى شاشة التلفزيون لتلفت الانتباه إلى الضغوط التي تعاني منها النساء العاملات.
الاجازة تعني فقدان الوظيفة
ويقول الخبراء ان معظم الشركات الكورية الجنوبية لا تعمل شيئا يذكر لاستيعاب الأمهات العاملات، أو الآباء العاملين. ووفقا لاستطلاعات الحكومة فإن القانون الكوري الجنوبي يسمح بأجازة أمومة لمدة عام كامل، ولكن بسبب ضغوط الزملاء في العمل فإن الأمهات العاملات عادة ما يأخذن وقتا قليلا من هذه الإجازة. وفي العام الماضي، كان هناك فقط حوالي 35،000 من الاباء في هذا البلد الذي يبلغ تعداده حوالي 49 مليون نسمة قد استفادوا من إعانات اجازة رعاية الطفل.
ويقول يو سوك جاى، استاذ مساعد للدراسات الأسرية في جامعة كيونغ هي في العاصمة الكورية سيول :ان أخذ إجازة اطول يعني هناك احتمالات أقل في الحصول مرة أخرى على وظائفهم القديمة، على الرغم من أن ذلك يعد امرا غير قانوني ،كما ان أوقات العمل المرنة أمر مكروه من قبل مديري الموارد البشرية، وهم يشعرون بأن الانضباط في الشركة قد يتآكل ".
ولخفض التوتر من حياتهن عندما يتسلقن سلالم الشركات، تقوم النساء في كوريا الجنوبية بتأجيل التفكير بالزواج أو ان يصبح لديهن أطفال. والواضح ان عدد النساء غير المتزوجات ممن أعمارهن في العشرينات والثلاثينات آخذ في الارتفاع. ولمدة ثلاث سنوات على التوالي، كان معدل المواليد في كوريا الجنوبية هو الأدنى على مستوى العالم، وفقا لمنظمة الصحة العالمية للامم المتحدة.
مشكلة ديموغرافية
أن مفهوم العيش بدون زوج،وعدم انجاب أطفال أصبح يشكل مشكلة ديموغرافية في شرق آسيا . ووفقا لتصنيف وكالة المخابرات المركزية عام 2008، فمن بين 10 دول أو أقاليم لها المعدلات الأقل خصوبة في العالم، هناك ستة بلدان في منطقة آسيا والمحيط الهادئ. فمن اليابان الى سنغافورة، نجد ان النسبة المئوية للنساء اللواتي ما زلن من دون زواج وهن في منتصف الثلاثينات تتزايد بمعدلات غير مسبوقة تاريخيا . اما في كوريا الجنوبية، فأن نسبة النساء غير المتزوجات اللواتي تتراوح أعمارهم ما بين 30 إلى 34 قد تضاعفت تقريبا في السنوات الخمس الماضية، وارتفعت إلى 19 في المئة من 10.5 في المئة.ويقول يو:ان المرأة عندما تكون في اواخر العشرينات ليست على استعداد لتقديم التضحيات كإنجاب الأطفال، وتحمل مسؤوليات الأسرة والعمل،".
ان الانهيار في معدلات المواليد امر مقلق بالنسبة لحكومات شرق آسيا، التي ستواجه في السنوات المقبلة أزمة ديموغرافية لاسيما أن نسبة المتقاعدين تأخذ بالازدياد فضلا عن تراجع اعداد البالغين ممن هم في سن العمل. ان كوريا الجنوبية، التي تتوقع انخفاضا في عدد السكان في بداية عام 2018، تسعى جاهدة لتشجيع الولادات من خلال تقديم الحوافز بما في ذلك القروض العقارية المخفضة الفائدة للأسر التي لديها ثلاثة أطفال أو أكثر. ولكن بالنسبة للمرأة الكورية الجنوبية، ان اختيار إنجاب الأطفال عادة ما يعني التراجع عن المسار الوظيفي. وهناك فجوة في العمالة تقدر ب 30 في المائة بين الرجال والنساء، وتعد رابع أكبر فجوة على مستوى العالم، بعد تركيا والمكسيك واليونان. وحتى لو اختارت النساء البقاء في العمل، فلا يمتلكن اي ضمانات بالحصول على التقدم الوظيفي.
ان إحصاءات الأمم المتحدة تظهر أن تمكين المرأة للانخراط في العمل، عندما تم قياس ذلك عن طريق النساء اللاتي يشغلن وظائف الإدارة والوظائف المهنية، آخذ في الانخفاض. ويقول جيمس تيرنبول "وهو من الناشطين في قضايا المرأة والتمييز على أساس الجنس ومتخصص في الدور الذي تلعبه المرأة كوريا الجنوبية : هذا يعني أنه على الرغم من ان النساء الكوريات يتمتعن بالصحة الجيدة والتعليم الممتاز، فإنها لا تزال أمامها فرصة أكبر بكثير من أن تصبح سياسية أو حتى مدير إدارة أو مبرمجة أجهزة كمبيوتر في دول مثل قيرغيزستان وجمهورية الدومينيكان، وبوتسوانا أو نيكاراغوا.
عائق التقاليد
وعودة الى السيدة هوانج،تلك الام العاملة التي تقول إنها أنفقت في الخريف الماضي حوالي ثمانية آلاف وستمائة دولار أمريكي على شراء إعلانات الصحف للتنفيس عن مشاعر الإحباط التي تعيشها ، فإنها تعمل من عشر إلى اثنتي عشرة ساعة في اليوم كموظفة متخصصة في الشؤون الاستراتيجية ومسؤولة عن الترويج لمنتجات شركة سيول للتسويق. وتقول ان راتبها حوالي ضعف ما يحصل عليه زوجها، وهي معادلة نادرة وحساسة عند الأسر الكورية الجنوبية عندما تكون الزوجة تحصل ماديا على أكثر مما يحصل عليه الزوج. وتضيف السيدة هوانج التي تبلغ من العمر (38 عاما) والتي تحصل على حوالي 86 ألف دولار أمريكي في السنة "عندما تكسبين أكثر من الزوج، فعليك أن تكوني حذرة حتى لا تكسري كبرياءه، وقبل كل شيء أحاول أن أستوضح منه لأحصل على مقترح منه، فيما لو كنت أريد شراء ملابس لي أو شراء حوض جديد للأسماك لابننا".
وتقول هوانج، أن أم زوجها هي الأكثر إثارة للمشاكل. وفي الإعلان الذي حمل عنوان "أنا امرأة غير صالحة" والذي نشرته في الصحف، كانت قد اشارت الى انها كانت تطلب من والدة زوجها وعن طريق التلفون المساعدة في رعاية الأطفال عندما تكون منشغلة في بعض الامور الاخرى. "غير ان كلمات التوبيخ الحاد كانت تأتي من الجانب الآخر من الهاتف :' هل نسيت ان اليوم هو الذكرى السنوية لتأبين والد زوجك ؟ وأن جميع افراد عائلتك الأخرى هنا بالفعل. أنا اعلم أنك موهوبة وكل شيء ، ولكن هل استطعت ان تفي بالتزاماتك العائلية؟ "
وتقول هوانج ان زوجها كان أكثر تعاطفا معها وانه يفعل في البيت أكثر من الأزواج الآخرين في كوريا الجنوبية." وتقول هوانج أنها تدرك أنه ليس من السهل بالنسبة له أن يكون زوجا لامرأة عاملة. وتضيف:يتوقع الأزواج هنا بيتا دافئا وتربيتا على الكتف، ولكن زوجي في بعض الأحيان قد لا يحصل على ذلك". ومن جانبه رفض زوج هوانج التعليق على ذلك.
الفقر بانتظار المتقاعدات
وفي قصة متصلة عن النساء في كوريا الجنوبية هناك ما يسمى بـ " الآنسات الذهبيات" وهن اللاتي لم يتزوجن من طبقة الأغنياء المتعلمات في سن الثلاثين والأربعين.وما زال بريقهن يتوهج وهن يعملن بشكل احترافي أو يتقلدن مناصب قيادية في عالم المؤسسات، لكن يحذر المتخصصون من أنه قد تكون في انتظارهن حياة خاوية بعد التقاعد إذا أسرفن في انفاق ثرواتهن.
وفي بعض الأحيان تشعر ربة المنزل في كوريا الجنوبية بالغيرة من صديقة غير متزوجة. لأنهن يظهرن جذابات وبارعات، علاوة على المرتبات الجيدة التي يتقاضين. وفي الوقت الذي تحاول كل ربة منزل توفير كل دولار ليلتحق أبناؤها بمدارس جيدة، يمكن أن تنفق أي آنسة كل نقودها في أي شيء تراه يدخل الفرحة على قلبها .
وتقول ربة منزل في سيئول تبلغ من العمر 37 عاما"عادة ما تبدو صديقتي غير المتزوجة أصغر سنا وأكثر حيوية ويمكنها ان تفعل أي شي السفر او شراء حقائب يد الفاخرة وأدوات التجميل الغالية وكلها أمور نادرا ما أتمكن من الحصول عليها بسبب محدودية دخل العائلة".
ومن أجل أن تحصل المرأة على لقب "الآنسة الذهبية"ينبغي أن تكون غير متزوجة وفي الثلاثينيات أو الاربعينيات من عمرها وعاملة في وظيفة تدر دخلا يصل الى أربعة ملايين وان, أي ما يعادل (3300 دولار امريكي )في الشهر.
ومن الواضح ان القدرة الشرائية لمثل هولاء الانسات على الانفاق قد لفتت أنظار المسوقين. فهذا النوع من النساء يمكنه انفاق دخله على الموضة وأدوات وجراحات التجميل والسفر أو على سبيل المثال حتى التعامل مع مكاتب الزواج. غير أن توقعات ما بعد التقاعد لا تكون براقة دائما إذا لم تخطط النساء لها قبل ان تصبح واقع حال . ويقول القائمون على وضع خطط التأمين على الحياة إن هذا النوع من النساء يبدو أقل استعدادا لحياة ما بعد ذهاب الوظيقة التي تدر ذهبا . وتقول سو ميونغ سو وتعمل مخططة في شركة (برودنت لايف إنشورانس)في العاصمة سول " تميل الانسة الذهبية لانفاق الكثير كما لو كانت ستعمل من دون ان تغادر وظيفتها".
وتقول سو إن ظاهرة التقاعد المبكر تنتشر في عالم المؤسسات التنافسي في كوريا الجنوبية، وتحسن الرعاية الصحية يعني أن الافراد يعيشون مدة أطول "وهذا يعني إن امامها حياة طويلة لتعول نفسها " بعد التقاعد. غير أن الاستطلاعات والاحصاءات تشير إلى أن نساء كوريا الجنوبية العاملات أقل استعدادا لحياة ما بعد التقاعد مقارنة بنظيراتهن في الولايات المتحدة وتايوان. واظهر مسح شمل 102 امرأة من "الانسات الذهبيات" أجرته شركة (برودنشال لايف) أن ربع هذا النوع من النساء فقط لديه خطط لحياة ما بعد التقاعد من الوظيفة. وكشف نفس المسح عن أن 59% من النساء الامريكيات و62 % من التايوانيات وضعن خططا واستعددن لحياة ما بعد التقاعد. ومن المؤكد انه بدون خطط تقاعد قد تجد السيدات المسرفات غير المتزوجات أنفسهن في سن الشيخوخة من دون أي نقود.