لميس فرحات من بيروت
يلجأ الناشطون السوريون لموقع فايسبوك للكشف عمّن يشتبهون بأنهم يبلغون السلطات الأمنية عن جيرانهم من المعارضين، والذين يعرفون باسم العواينية أو المخبرين المدنيين. ويقوم العواينية بإعلام الامن عن تحركات النشطاء ثم يرافقون رجال الأمن إلى منازل هؤلاء خلال حملات الاعتقال وهم يختبئون خلف أقنعة.
معارضون للنظام السوري يتظاهرون في مدينة القامشلي
بيروت: يدور صراع استخباراتي خفي بين الحكومة السورية ونشطاء المعارضة الذين يتظاهرون منذ نحو سبعة أشهر ضد نظام حكم الرئيس بشار الاسد.
وتشهد مدينة دوما القريبة من دمشق، فصلاً من فصول هذا الصراع في ظل المظاهرات اليومية ومطاردة المتظاهرين من قبل الأمن.
وفي أحد أيام الجمعة، عندما بلغت المظاهرات أوجها في سوريا، تعقّب الأمن السوري ثلاثة رجال حاولوا الفرار والإحتماء في أحد البيوت عندما فتح مالك المنزل الباب في اللحظة المناسبة فدخلوا واختبأوا فيه.
لكن حظهم كان عاثراً، إذ شاهدهم أحد الرجال الذي كان واقفاً داخل متجر مجاور يراقب ما يحدث، وخلال دقائق توجه رجال الأمن إلى المنزل الذي توارى الشبان داخله فاستطاع بعضهم الهرب من فوق سطح المبنى الى سطح منزل مجاور من ثلاث طبقات، بينما سقط جهاد شلهوب البالغ من العمر 43 عاماً بعد أن تشبث بسياج أحد الشرفات خلال سقوطه.
ونقلت الصحيفة عن أحد الرجال الذين كانوا برفقة جهاد قوله إن رجال الامن لم يحاولوا أن ينزلوه عن الشرفة، بل قاموا برشقه بالحجارة وهو معلق بسياج الشرفة حتى سقط على الارض وتوفي لاحقاً في المستشفى متأثراً بجروحه.
وأشارت الصحيفة إلى أن ما حدث هو مثال على العديد من الوقائع التي يلعب فيها مخبرو الامن من المدنيين، والذي يعرفون بإسم الـ "عواينية"، دوراً أساسياً في التبليغ عن متظاهرين ونشطاء المعارضة.
وباتت الأجهزة الأمنية تعتمد أكثر من ذي قبل على العواينية لقمع الإحتجاجات، فنقلت الـ "غارديان" عن أحد نشطاء المظاهرات في دوما قوله إن العواينية يقومون بإعلام الامن عن تحركات النشطاء والمتظاهرين خلال المظاهرات، ثم يرافقون أجهزة الأمن إلى منازل النشطاء خلال حملات الاعتقال وهم يرتدون أقنعة على وجوههم حتى لا يتم التعرف عليهم.
حافظ نظام البعث – الحزب السوري الحاكم – على سلطته في دولة تسكنها 22 مليون نسمة خلال نصف قرن تقريباً، من خلال شبكة من المخبرين المدنيين المعروفة بإسم "العواينية".
ويمكن أن يكون هؤلاء المخبرين أناس يعيشون بين الناس، كزبون في المقهى أو المطعم، سائق سيارة أجرة أو وكيل العقاري، فالمجتمع السوري يعج بالمخبرين الذين يبلغون عن المواطنين.
وقال نشطاء ومحللون أن العواينية يقدمون خدماتهم لأجهزة الأمن السورية من أجل المال أولاً، ولكن أيضا بسبب الخوف، أو في بعض الأحيان لأنهم يؤمنون بفكر ونهج النظام الذي ورثه الرئيس بشار الأسد عن والده.
وقال نشطاء أن الأمن يعتمد اليوم بشكل كبير على المخبرين، مع دخول الثورة السورية في شهرها الثامن، ويستندون إلى معلومات العواينية من أجل إلقاء القبض على المتظاهرين وقمع الإحتجاجات.
ونقلت الصحيفة عن سامي، أحد القادة النشطاء في دوما قوله إن "العواينية يخبرون رجال الأمن عن موعد التظاهرات والمشاركين فيها وعن تحركات الناشطين أثناء المظاهرات".
ورداً على ممارسات العواينية والمخبرين، قام النشطاء بإنشاء صفحة على موقع التواصل الإجتماعي "فايسبوك"، تنشر أسماء المخبرين مع عناوينهم وصورهم للتحذير منهم وفي بعض الاحيان معاقبتهم من قبل نشطاء المعارضة لردعم وترهيبهم، مثل ما حدث عندما تم إحراق متجر الشخص الذي بلغ الأمن عن مكان اختباء جهاد شلهوب وضربه.
غير أن استهداف المخبرين أثار مخاوف النشطاء الذين اعربوا عن خشيتهم من أن يؤدي الكشف عن المخبرين إلى قتلهم قصاصاً على أفعالهم. فيقول جواد، ناشط في حركة الشباب 17 أبريل من أجل التغيير الديموقراطي: "أنا ضد الكشف عن هوية المخبرين لأن ذلك يمكن أن يؤدي إلى قتلهم. نحن بحاجة لبناء دولتنا وعلينا أن نعتمد على القانون في المستقبل، لا ان نمارس السياسة التي كان النظام يمارسها ضدنا على مدى عقود".
وبالرغم من رفض هذه الاستراتيجية، يصر نشطاء آخرون على أن المعلومات التي تنشرها صفحة الفايسبوك عن العواينية صحيحة ودقيق، وشملت أطباء وممرضات وأصحاب متاجر، وحتى أعضاء فريق كرة القدم المحلي.
لكن يبدو أن بعض الأسماء التي تنشر على هذه الصفحة، تخفي وراءها دوافع خفية، فقال أحد النشطاء من حماة أن صفحة العواينية استهدفت أحد الأفراد ظلماً، وأضاف: "آمل أن يحذف اسم هذا الشخص لأن الناس على يقين تام بأن اسمه نشر على قائمة المخبرين لأسباب شخصية".