التسول بالأطفال وإجراءات الردع الجديدة:
...جرم الكبار
* ك.زوايري/ ع.سليمة
عرفت ظاهرة التسول بالأطفال في السنوات الأخيرة إنتشارا رهيبا أصبح يعبّر بوضوح شديد عن تحولها من حاجة ملحة الى حرفة مربحة تمارس بطرق شتى وحتى من عصابات منظمة كشف نشاطها الدائم والفعال عن مختلف الحيل والطرق التي تعتمدها وأهمها إستغلال الأطفال الصغار لكسب لطف المتبرعين وهذا لجمع أكبر قدر ممكن من المال وهو فعلا ما تؤكده مختلف التحقيقات التي تقوم بها المصالح المختصة سواء من خلال نشاطها الهادف الى محاربة هذه الظاهرة أو من خلال الحالات التي تضبطها عقب عمليات الجمع التي تجريها فرق مديرية النشاط الإجتماعي ومصلحة الإسعاف الإجتماعي بالتنسيق مع مصالح الأمن.
وتجدر الإشارة الى أن تواصل وتزايد هذه الظاهرة والذي تثبته الأرقام المسجلة من طرف هذه المصالح كان نتاج لمجموعة من الأسباب والظروف الإجتماعية التي وإن لم تكن السبب الأول لها بإعتبارها ظاهرة قديمة إنما ساهمت في إنتشارها لا سيما في ظل التساهل الكبير الذي ميّز عملية محاربتها رغم وجود ترسانة قانونية تجعل من التسول جنحة معاقب عليها صراحة من طرف المشرع في القانون الجزائي مع وضع الضوابط والشروط التي تحدد وتثبت إرتكاب هذه الجنحة وتضع لها عقوبات من شأنها إحتواء هذه الظاهرة وعدم إنتشارها غير أن الملاحظ في مجتمعنا هو عدم مساهمة هذا النص القانوني في محاربة تزايد حالات التسول ما يفسر لجوء الوزارة الوصية مؤخرا الى سنّ قانون جديد أكثر صرامة يعدل القانون الحالي ويعاقب بشدة على إرتكاب هذه الجنحة وهو ما تمت المصادقة عليه مؤخرا في إنتظار صدور قرار الشروع في تنفيذه لا سيما وأن مشروع التعديل الجاري إنجازه يتضمن نصوصا جديدة
الردع في مفهوم القانون الجديد
إذ أن نص مشروع التعديل يضم إجراءات عقابية أكثر صرامة من تلك الموجودة في نص القانون الحالي كما تطرق القانون الجديد أيضا الى ظواهر أخرى كالتحلي عن الأصولب مثلا والتي وضع لها عقوبات جزائية، أما فيما يخص التسول بالأطفال والمعاقب عليه كما سبقت الإشارة حاليا تنص عليه المادة 195 من القانون الجزائي فإن القانون الجديد سيعدلها من ناحية رفع العقوبات الواردة فيها وهذا لترهيب مرتكبي هذه الجنحة والتقليل منها وتوفير مادة قانونية في يد القائمين على تطبيق هذه النصوص أكثر صرامة بهدف محاربة الظاهرة وهذا برفع مدة الحبس المنصوص عليها في المادة السالفة الذكر والتي تنص على المعاقبة بالحبس من شهر الى 6 أشهر كل من إعتاد ممارسة التسول في أي مكان كان وذلك رغم وجود وسائل العيش لديه أو بإمكانه الحصول عليها بالعمل أو بأية طريقة مشروعة أخرى، فيما تنص المادة 196 مكرر من القانون الجزائري توضيحات حول عدم إتخاذ المخالفات المنصوص عليها في المادة 195 ضد الأحداث الذين لم يبلغوا الـ 18 سنة حيث تطبق ضدهم إجراءات أخرى تتمثل غالبا في الإدماج والحماية فيما قد تصل الى تدابير التهديب في حالة ثبوت نية وأهلية المرتكب غير البالغ سن الـ 18 سنة، فير أن الملاحظ ورغم وجود هذا النص القانوني الصريح والذي يعاقب على إرتكاب جنحة التسول ويجعل من التسول بالأطفال عامل مشدد في المعاقبة عليها غير أن عملية محاربة هذه الظاهرة تكاد تكون منعدمة مادامت هذه الجنحة ترتكب بشكل علني ومكشوف ما سمح بإنتشارها عدى بعض عمليات الجمع التي تقوم بها المصالح المختصة والتي يتم على إثرها إحالة بعض هؤلاء المتسولين الذين ثبت تعودهم على العدالة إذ يتم ضبط عدد كبير من حالات التسول بالأطفال خلال حملات الجمع هذه
عائلات متسوّلة
أرقام ثقيلة تعكس واقع حال العائلات المتسولة بولاية وهران التي وجدت لنفسها مصدر رزق غير شرعي تقتات منه دون بذل أي جهد أو عناء لتوفير قوت يومها، حتى وإن كان ذلك يدرجها في خانة المخالفين الذين يرتكبون جنحا يعاقب عليها القانون بكل صرامة من جهة أو حتى يجعلها محل مجازفة من جهة أخرى نتيجة الخطر والضرر المادي الذي يلحق أبناء هاته العائلات الذين تحولوا بموجب هذه التجاوزات الى وسيلة لجمع الأموال.
كل الإحصائيات المستقاة من المصالح المعنية تشير الى تجدر الظاهرة والإرتفاع المقلق لهذه الشريحة حيث سجلت مصلحة الإسعاف الإجتماعي في هذا الشأن 105 حالات منذ شهر جانفي الفارط الى يومنا هذا تشترك جميعها في قاسم واحد يتمثل في إستغلال الأطفال للتحايل على الناس وكسب ثقتهم لعلهم بجنون من وراء ذلك أموالا أكثر مما يتوقعون.
وحسب مدير مصلحة الأسعاف الإجتماعي السيد بوطويل فإن كل الأطفال الذين تم جمعهم خلال هذه الفترة بالذات تتراوح أعمارهم ما بين حديثي الولادة و12 سنة وهي الفئة العمرية التي تجلب إهتمام المارة وتثير شفقتهم لهذا تجد هاته العائلات تستنجد بفلذات كبدها وتعرضهم للخطر ومختلف الأمراض المتنقلة التي تفتك بأجسادهم الضعيفة.
ومن بين 105 عائلات ضبطت أثناء الخرجات الميدانية أحالت مصلحة الإسعاف الإجتماعي 10 ملفات على العدالة للفصل فيها وفق الإجراءات القانونية المتفق عليها بتسليط عقوبة الحبس على المخالفين تطبيقا للمادة 195 من القانون الجزائي.
وقبل الوصول الى المحطة الأخيرة التي تقتصر على تطبيق القانون من قبل القاضي المختص إقليميا يمر الملف عبر عدة مراحل أولها تحويل المتسول المضبوط في حالة تلبس بإختلاف جنسه الى مركز الشرطة القريب من الحي الذي ينشط فيه هذا الأخير لفتح محضر وإحالته على وكيل الجمهورية الذي يستمع بدوره له وبدون كل المعلومات في ملفه قبل تحديد موعد الجلسة الذي تنهي هذا المشوار.
وإن كان هذا الرقم يؤكد مدى صرامة القانون في مثل هذه القضايا إلا أنه يبقى ضئيلا بالنظر للحصيلة المسجلة بصفة مستمرة والتي تؤكد الإنتشار المقلق للظاهرة خاصة أنها تضرب بقوة كل الإتفاقيات والقوانين التي تنادي بحقوق الطفل.
وغير بعيد عن هذا فقد باشرت مديرية النشاط الإجتماعي هي الأخرى في تجسيد تدخلاتها في إطار نشاطها الدوري الخاص بالتكفل بالأشخاص بدون مأوى حيث جمعت منذ بداية السنة الجارية 715 شخص من مختلف الأعمار من بينهم 52 طفلا، 263 إمرأة و400 رجل ويمكن توزيع هذه الحصيلة وفق التقسيم الذي حددته الإدارة الوصية من حيث الجنس، السن والشهر وبما أن موضوعنا يقتصر على ظاهرة التسول بالأطفال فقط فإن الأرقام ستنحصر على هذه الشريحة بالذات التي تباين عددها من شهر لآخر، إذ سجلت المديرية 5 أطفال خلال شهر جانفي ثم في فيفري و8 حالات في مارس لتتراوح ما بين حالة واحدة و12 حالة خلال الفترة الممتدة ما بين شهر مارس وديسمبر علما أن أكبر حصة سجلت في شهر أكتوبر الفارط.
ونتيجة لإرتفاع مؤشر التسول بالأطفال وتعوّد العائلات على الربح السريع شرعت الوزارة الوصية في تحضير الأرضية اللازمة لتجسيد الإجراءات الخاصة التي ينص عليها مشروع القانون الجديد الذي سيطبق على أرض الواقع فور الإنتهاء من كل المراحل المرتبطة بعملية التعديل.
تعليمات لإحتواء الظاهرة
وفي هذا الشأن أكد المسؤول الأول عن المديرية الولائية للنشاط الإجتماعي أن وزارته قد وجهت تعليمات صارمة لكل المديريات المنتشرة عبر 48 ولاية بموجب الإرسالية التي وجهتها لهم الأسبوع الفارط، شددت من خلالها على ضرورة التكثيف من دوريات التكفل بالأشخاص مع تنظيم خرجات ليلية بصفة مستمرة بمواعيد مضبوطة من قبل إنطلاقا من رزنامة عمل مدروسة تحضيرا للتعديلات الجديدة التي ستطرأ على المادة 195 من القانون الجزائي. جاء هذا بعد اللقاء الأخير الذي جمع كل من وزارة الداخلية والتضامن الوطني والمديرية العامة للأمن والحماية المدنية بإعتبارهم الهيئات المعنية التي تعمل بالتنسيق مع كل جهة سعيا منهم للتكفل بهذه الشريحة حيث أسفر هذا الإجتماع عن تحديد كل الجوانب الخاصة بالتطبيق الصارم للقانون.
ومن بين هذه التدابير إستحداث لجنة ولائية تضم ممثلين عن مديرية النشاط الإجتماعي، الأمن مصالح الدرك الوطني والحماية المدنية والهلال الأحمر الجزائري لضمان سيرورة نشاطها إعتمادا على برنامج خاص بها تسطره اللجنة بشكل منتظم إنطلاقا من دراسة الملفات المطروحة على مستواها ثم إحالة الحالات التي تبث في حقها شرط العودة للعدالة لردع المخالفين بصفة صارمة وفي الأخير تحقيق هدف الإدماج المهني والإجتماعي.
وبالمقابل شرعت المديرية الولائية في المدة الأخيرة في تنفيذ إستراتيجية جديدة تنصبّ مجمعها في مساعدة هذه الشريحة وهذا عن طريق إنشاء لجنة الإسعاف الإجتماعي التي يرجع تاريخ ميلادها الى شهر جانفي الفارط.
وقد إنطلقت المصلحة الجديدة في نشاطها بصفة رسمية منذ حوالي 6 أشهر وهذا مباشرة بعد تهيئة مقرها الذي كان سابقا دارا للحضانة وبالرغم من نقص الوسائل المادية فقد تمكنت المصلحة من التكفل بأكبر عدد ممكن من الحالات حيث إستقبلت طيلة هذه الفترة 1055 شخص من بينهم 196 بدون مأوى و11 مريضا عقليا.
وتعتمد المصلحة على 3 طرق رئيسية للتكفل بكل الحالات منها الإصفاء، التوجيه والمرافقة الى المساعدة المادية والمعنوية وعن طريق عملية حسابية بسيطة نجدها قد سجلت أكبر عدد في هذه الخدمة وهذا بمجموع 560 عائلة إستفادت من التغطية وهذا إما بمنحها المبلغ المالي الذي يساعدها على تجاوز المشكلة أو توجيهها الى مديرية النشاط الإجتماعي للإستفادة من مختلف أجهزة التشغيل التي خصصتها الدولة لحماية ذوي الإحتياجات علما أن الإدارة قد أدمجت منذ بداية السنة 204 شخص من بينهم 16 شخصا منحت لهم عقود الإدماج المهني مقابل أجر شهري يتراوح ما بين 6000 و15 ألف دج إضافة لتحويل 188 شخص الى مقر سكناهم وإدماجهم إجتماعيا.
ومختلف هذه الإجراءات المتخدة والنصوص القانونية الجديدة يجب أن يسيّرها التطبيق الجيد والصارم لإحتواء هذه الظاهرة الخطيرة لما لها من أضرار وعواقب وخيمة على المجتمع ككل من جهة وكذا على الأطفال الذين يعتبرون الضحية الأولى بدليل الضرر النفسي والصحي الذي يتعرضون له وهم يمارسون التسول أو يستغلون لممارسته سواء رفقة أوليائهم أو حتى أشخاص غرباء عنهم.
إضطرابات نفسية وأمراض مزمنة
لتسليط الضوء أكثر على الخطر الكبير الذي يواجهه هؤلاء الأطفال المستغلون في عملية التسول إتصلتا بأخصائية نفسانية عاملة بمصحلة الأسعاف الإجتماعي التي تحدثت لنا عن مختلف الأزمات النفسية التي يتعرض لها الطفل المتسول لا سيما وأنها تتعامل بشكل يومي مع مثل هذه الحالات كما حاورنا الطبيب المختص حول الأمراض التي قد يتعرض لها الطفل أثناء ممارسته التسول الذي يكون عادة ولساعات طويلة بالشارع إضافة إلى إستشارتها لمختص في علم الإجتماع الذي اعتبر بأن الظاهرة تتزايد بشكل مخيف في مجتمعنا ولأجل إحتوائها غير التطبيق الصارم للقانون.
إذ أكدت لنا المختصة النفسية بأن جميع الأطفال الممارسين للتسول ودون إستثناء مصابون بأزمات نفسية خطيرة وأن ممارسة ذلك تتسبب لا محالة في حدوث خلل في الصحة النفسية للطفل وهذا بمجرد إكتشاف الطفل لكونه شخص غير عادي في المجتمع يختلف عن غيره من الأطفال الذين يصادفهم، كما يكتشف بأنه أقل شأنا منهم ما يولد لديه الإحساس بالكره وعدم الثقة في النفس وهو إحساس قد يرافق الطفل خلال كافة مراحل نشأته كما أنه معرض للإحساس المفرط بالأنانية والغيرة الزائدة والحقد على الغير، ونبذ المجتمع وإهمال التقيد بالمبادىء ومن تم يتحول الى طفل منحرف نتيجة الإضطرابات النفسية التي عانى منها طيلة ممارسته للتسول وإكتشافه لكونه عنصر مشارك بل ومهم في ممارسة هذا الفعل لا سيما وأن بعض الأطفال يكتشفون بأنهم ضحايا في ذلك وآخرون يتجاوزون هذه المرحلة لأنهم يتحولون بسرعة الى أشخاص ماديون يؤمنون بقاعدة الغاية تبرر الوسيلة فلا يولون إهتمام بأحد ويصبح هدفهم الوحيد هو كسب المال فيهملون دراستهم إذ تحصلوا أصلا على فرصة الدراسة وينحرفون كما أن فرصة معالجة هؤلاء تكون أصعب كلما طالت مدة ممارسة التسول من طرف الأطفال وبالأخص كلما كان ذلك في سن التمييز هذا عن الضرر النفسي فيما أكد لنا طبيب مختص بأن صحة الطفل تحتاج الى رعاية ووقاية خاصة أكثر من الشخص البالغ بإعتباره أكثر عرضة للأمراض وتأثرا بها ومن تم فإن البقاء ولساعات طويلة في الشارع يعرض لا محالة الطفل الى أمراض خطيرة أهمها الإنفلونزا، الربو، الحساسية، إلتهاب القصبات الهوائية الروماتيزم وهي جميعها أمراضا خطيرة قد يهلك الطفل لإصابته بها في حالة عدم معالجتها ناهيك عن إحتمال إصابته بالجرب والقمل وغيرها من الأمراض الجلدية نتيجة مكومه بأماكن قد تكون ملوثة وعدم إستفادته من نظام غذائي جيد ومن تم لا يمكن حصر الأمراض التي قد يتعرض لها هذا الطفل لأنه يكون معرض لجميع المخاطر الصحية مادام غير محمي ومن تم فإن محاربة هذه الظاهرة بات أمر ضروري ومستعجل وهو ما يمكن أن يكون حسب مختص في علم الإجتماع دون معالجة الأسباب التي ساهمت في إنتشارها كالنزوح الريفي والبطالة وإنتشار الأحياء الفوضوية من جهة وكذا ضرورة التطبيق الصارم للقوانين المعاقبة عن إرتكاب هذه الجنحة لأن الردع هو الحل الوحيد مقابل هذا الإنتشار الخطير للتسول بصفة عامة والتسول بالأطفال بصفة خاصة.