ملذات الدنيا بأكملها لا تشعرني بالرضا.. لأن مآلها الزوال
السلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته أما بعد:
أنا بشرى من المسيلة في الثانية والعشرين من العمر، على أهبة التخرج من الجامعة، اختصاص فلسفة، أنا جد متفوقة في دراستي، لكنّي لا أستمتع بحياتي أبدا، وأعلل ذلك بأن كل متعة في الحياة زائلة، ودائما أقول: لماذا الاهتمام بالشيء مثلا بالنظافة أو الترتيب أو حب الناس لي؟ أو لماذا أفرح بشبابي وأستمتع ما دام كل ذلك زائل ومصيره الموت والزوال!
نعم، فأنا أخاف من الموت خوفا شديدا، وأقول إن الموت سيُذهب شعري الجميل مثلا، فلماذا إذن الاهتمام بالأشياء لماذا الفرح في هذه الدنيا.
لذا، فأنا لا أبالي بأي شيء، برغم أنني أنظف وأهتم، ولكن ليس في داخلي أي سعادة، أشعر أنه لا شيء يفرحني ولا شيء يحزنني، حياتي مملة جدا، أخاف من الأدوات الحادة خوفا شديدا، ولكن لا أظهر ذلك لأحد، أحب والدتي كثيرا ولا أريد أن أفارقها أبدا، ودائما أحزن عليها إذا صرخ والدي في وجهها، فذلك يشعرني بأنها ليست سعيدة معه، هناك مشاكل أسرية كثيرة تشعرني بالاضطراب، فوالدي كثير الصراخ والضرب، صحيح أنّه لا يقسو على أبدا، ولكنه لا يعطيني الحب والحنان الذي أريد، فلم يضمني أو يقبلني أبدا ولم يقل لي كلمة تشعرني بحبه لي، أشعر أنني محرومة عاطفيا، أخاف على إخوتي كثير، ودائما ما أتخيل أنهم في السجن، أو معذبون، أو أنهم في شدائد، فأبكي كثيرا وأتألم، كما أنني أخاف من النوم وحيدة، فإذا أطفأ أحدهم النور وأنا نائمة سرعان ما أهرول مفزوعة، وأضيء المكان.
أتمنى الزواج من شخص يعوضني الفقدان الذي أشعر به.
سيدتي، لا أريد أن أكون قاسية في كلامي عن والدي، فهو يشتري لنا كل ما نريد ويخرج معنا كثيرا، ولكن من دون ابتسامة أو ضحك، أما والدتي فهي تعاملني بكل حنان لكن ذلك لا يسد حاجتي.
رغم التزامي بالصلاة وترديد الأذكار، إلا أنّني أشعر دائما بالقلق والاضطراب، ولا أشعر بالراحة أبدا. أرجوك سيدة نور ساعديني فأنا جد متعبة.
بشرى/ المسيلة
الرد:
عزيزتي، التمست من شخصيتك السعي الحثيث إلى الكمال، فأنت تريدين كل شيء في مكانه، وعلى أحسن وجه، وتشعرين بضيق شديد عندما لا تسير الأمور على ما يرام.
عزيزتي، النقص هو أحد مكونات البشر، فلا تغتري بالأشكال الجميلة والإنجازات الضخمة التي ترينها هنا وهناك، فكل هذه أشكال وفي حقيقتها تجدين النقص والمحدودية، هكذا أراد الله لنا أن نعيش، ويبقى الكمال له سبحانه منفردا به.
الناس من حولنا ليسوا كاملين، العالم الذي نعيش فيه غير آمن، نعم هذه حقيقة، وإذا قبلناها عشنا حياتنا بهدوء وسلام، وإذا رفضناها فسنقحم أنفسنا في كم من الصراعات والإحباط الذي لا ينتهي.
الذين يتقبلون هذه الحقيقة، يخلدون إلى فراشهم كل مساء بكل سكينة ورضا، وفي اليوم التالي ينهضون ويكافحون لإيجاد حل لما يواجهونه من صعوبات قدر الإمكان.
والذين يرفضونها مثلك، ينشغلون بالتذمر والشكوى التي لا تورث سوى المزيد من الألم والشعور باليأس والعجز، والله عز وجل زود المؤمن بأدوات فاعلة لمواجهة هذه المصاعب وأهمها التوكل عليه والإستعانة به، وهذا ما أوصيك به.
-عزيزتي، لاحظت أنّك كثيرة التأمل في ذاتك وفيمن حولك، فمن الجيد أن يستوعب الواحد منا كيف تسير الأمور من حوله، من الجيد أن نمتلك بصيرة بأنفسنا وبالناس من حولنا ولكن عندما يزيد التأمل في الذات عن حده، إلى حد يعطلنا ولا يقوينا، ويخذلنا ولا يدفعنا للأمام فعندها سيكون ضرره أعظم من نفعه، فاحذري منه عزيزتي.
إذن انتقلي من مستوى التأملات والأفكار إلى مستوى الأفعال، فالحياة جميلة بقدر ما نُسهم في تحسينها، وبمستوى ما نسهم في إسعاد الآخرين وتحسين حياتهم، وهذا لن يكون عبر الأفكار والقلق، بل عبر الأفعال والمبادرات الرائعة.
عزيزتي، اقتربي أكثر من الله عز وجل، تنعمي بالقرب منه، والتجئي إليه، واسعي إلى رضاه في كل لحظة من حياتك، يحفظك ويغدق عليك نعمه الظاهرة والباطنة.