مشاهد صادمة من معاقل الشعوذة بسلا
[طقوس وممارسات الشعوذة بسيدي موسى]
طقوس وممارسات الشعوذة بسيدي موسى
أكباش ودواجن تقدم قرابين لـ"قنديشة" ومحتالون يفرخون أوكارا جديدة لـ"الاستثمار" في الدجل
لم تكن محاولة «الاقتحام» سهلة وآمنة، فسدنة معقل «سيدي موسى» يمكنهم الترحيب بأي وافد أجنبي، إلا إذا كان صحافيا جاء لـ"التجسس" على أنشطتهم المخلة بالقانون، وممارساتهم التي يمكن أن تكيف من طرف القانون إلى جنحة الشعوذة والسحر، فالمشاهد المروعة والحالات المفجعة لضحايا الشعوذة تنسي كل ما يمكن أن يتعرض له المرء في سبيل إنجاز هذه المهمة. مع اقتراب عقارب الساعة من الرابعة بعد الزوال، من كل يوم اثنين، تبدأ وفود من النساء والشيوخ والشباب تتقاطر على معقل «سيدي موسى» بمدينة سلا، المتاخم لشاطئ البحر. أناس يختلفون في انتماءاتهم الطبقية والاجتماعية، لكن قاسمهم المشترك هو الإيمان العميق ب»الروحانيات»، وقدرة «اللا مرئيات» على جلب الحظ للمتمسحين بأعتاب الضريح لنيل بركته ورضا سدنته، أو إنزال اللعنة على الخصوم والأعداء.
قرابين"للا عيشة"
لكل من رواد المعقل قرابينه، حسب إمكانياته الشخصية. وإذا كان الميسورون مجبرون على إحضار «الذبيحة»، التي لا يمكن أن تكون إلا كبشا أو تيسا، وتسليمها إلى سدنة الضريح وخدامه من أجل ذبحها في الحال وتقديمها قربانا إلى «للا عيشة» البحرية، أو «قنديشة»، كما يحلو للمؤمنين بهذه الخرافات أن يسمونها، فإن البسطاء والفقراء يقتنون ديوكا سوداء اللون، ويقدمونها على شكل هبات إلى سدنة الضريح.
وفي كل يوم اثنين، بعد أن يعج المحفل بالراغبين في التبرك، أو من يأتون لمآرب أخرى، يهل «الشريف بونوارة» على الجميع، لتتهاوى الأجساد البشرية المتهالكة على قدميه، تقبلها بلهفة، وتتوسله قضاء الأغراض المختلفة، فهذه متوجسة من تنكر زوجها، وتلك تطمع في آخر، وهذا يندب سوء الحظ والطالع، فيتمكن «الشريف» بقوة دهائه ومكره أن يوقع بنساء ورجال، بعضهم من المجتمع الراقي، و»ينهب» منهم أموالا مهمة. ولأن المجال أصبح مربحا، فقد لجأ «الشريف» إلى «الاستثمار» في الشعوذة والدجل، وفرخ «فروعا» متعددة تابعة له.
والغريب أن معقل «سيدي موسى» للشعوذة والدجل بدأ يستقطب نساء متعلمات، وليس جاهلات فحسب، ولكل غايتها في اللجوء إليه، فإذا كانت المعوزات يترجين الحصول على زوج لابنة «بائرة» أو وظيفة لابن، أو لعلاج ابن مجنون أو مصاب بالمس الشيطاني، فإن أخريات، من الطبقة الراقية، يلجأن إلى «خدمات» المشعوذين للبحث عن عريس «غفلة»، أو للحفاظ على زوج، يتخوفن من «سرقته» من طرف بعض المتخصصات في «السطو» على رجال الطبقة الراقية، لأهداف وطموحات مادية صرفة.
طقوس غرائبية
وفي كل زاوية بـ»سيدي موسى»، فضاء مخصص لنوع ما من أنواع الشعوذة والدجل، يشتهر بخدماته وأناسه، وما على الراغب في الاستفادة من هذه الخدمات إلا تقديم «البياض»، وهو عبارة عن مبلغ مالي معين، إلى من يصادفه من سدنة الضريح، لكي يقوده إلى المكان المطلوب، فهذا مخصص للنساء العقيمات، وذلك لإيجاد فارس الأحلام للنساء العوانس، وهذا لتدبير منصب شغل، أو علاج «المجانين» والمصابين بالمس الشيطاني، وكل ذلك عن طريق ممارسات تصنف في خانة الشعوذة.
وإذا كانت الممارسة، كما يظهر للعيان، تستعين بالروحانيات، فإن واقع الأمر يكشف عكس ذلك تماما، إذ يكشف العديد من المهتمين والمقربين من أبناء المنطقة أن الأمر لا يعدو أن يكون ممارسات نصب واحتيال، وليس سحرا وشعوذة. والدليل على ذلك مصير الذبائح والقرابين، فبينما يدعي المحتالون أنهم يقدمونها ل»للا عيشة» أو «ملك ملوك الجن»، ويتظاهرون برميها من «الحفرة» المشرفة على شاطئ البحر، فإنهم سرعان ما يعودون إلى نقلها بسرعة كبيرة، في سرية تامة، لتتوزع على بطون سدنة الضريح، بمجرد انصراف الراغبين في التبرك أو الحظوة ببعض الخدمات التي يقدمها «الولي الصالح» أو أفراد سدنته من السحرة والمشعوذين.
وهناك مشعوذون ومحتالون آخرون ب»سيدي موسى» يقنعون النساء بقدرتهم على حماية أزواجهن من السقوط في كيد وحيل الفتيات وبائعات الهوى اللواتي يترصدن للرجال، وتحصينهم من الغواية والسقوط من خلال «أحجبة» و»تمائم» و»حروز»، إضافة إلى «أعمال» في غاية الفعالية، مقابل مبالغ مالية مهمة. وفي الوقت نفسه، يطلبون منهن إحضار ذكور الماعز والدواجن لإطعام «ملوك الجن» من أجل المسارعة إلى تنفيذ طلباتهن المستعجلة.
ثقافة مترسخة
وفي واقع الأمر، فإن عددا من الأضرحة بالمدينة تحمل رفات أولياء صالحين، غادروا مسقط رأسهم، قبل قرون من الزمن، وهاموا على وجوهم في أرض الله الواسعة، يلقنون العلم لطالبيه من الشباب، ويعبدون الله حيثما أدركهم الأذان، وهو ما كان وراء شيوع ذكرهم، كما أن أغلبهم خلف مؤلفات فكرية ودينية، وترك أقوالا مأثورة، ما يزال المغاربة يحفظونها عن ظهر قلب، ويستشهدون بها في حالات ومواقف معينة، دون أن يعرف أغلبهم حتى صاحبها. وعندما يتوفون، تبنى لهم أضرحة تصبح مزارا للعديد من الناس، قبل أن تتحول إلى قلاع محصنة لممارسات وطقوس تنهل من صميم وثقافة الشعوذة والسحر، الأمر الذي ألحق سمعة سيئة بالكثير منها. وتكشف معطيات حصلت عليها «الصباح» من مصادر مطلعة أن جهات عديدة بالدولة بدأت في رفع يدها عن العناية بعدد من هذه الأضرحة، بعدما تحولت إلى قبلة للعاهرات وبائعات الهوى، والراغبات في الحصول على زوج أو ولد ولو عن طريق الشعوذة، كما أن السلطات المركزية، وفق هذه المصادر، مستاءة كثيرة من مواقف السلطات المحلية، التي تقف مكتوفة الأيدي إزاء كل هذه الظواهر السلبية، دون أي تدخل، إلا في ما ندر.
حكايات مفجعة
حكايات مأساوية يرويها ضحايا الشعوذة والدجل بالمدينة. ومن بين المصرحين، الذين التقت بهم «الصباح» أثناء إنجاز هذه المهمة، السيدة «حليمة.م»، التي فقدت ابنها «رشيد» قبل فترة زمنية ليست بالقصيرة، والتي تؤكد أن ابنها البكر كان على علاقة عاطفية مع إحدى بنات الدوار، سيئات السمعة. ولأن الأم ظلت تحذر ابنها من مغبة الاستمرار في تلك العلاقة غير المرغوب فيها مع تلك الفتاة، وبدأ يعود إلى صوابه بعد طول تمرد وعصيان، وقرر وضع حد لعلاقته بها، اقترحت عليها إحدى رفيقاتها اللجوء إلى ساحر مشعوذ معروف، كان يتردد باستمرار على معقل «سيدي موسى» للدجل.
وتشير الأم المكلومة، التي لم تتمكن من نسيان ما حصل لابنها، أن الفتاة لجأت إلى المشعوذ، الذي قدم لها وصفة ل»إكسير الحب»، وطالبها بإطعامها لعشيقها، بعد دسها له في ديك، في ليلة معينة من ليالي شهر رمضان. وكانت التبعات صادمة، بل مفجعة، إذ سرعان ما سقط الابن على الأرض، ودخل في حالة إغماء لم يستفق منها إلا بعد أن تمكن «التوكال» من جسده وقوته، ولم يعد يقوى على النهوض من الفراش. ورغم عرضه على مجموعة من الأطباء، لم يتعرف أحد على طبيعة مرضه، واستمرت مضاعفاته الصحية في التطور نحو الأسوأ، وهكذا بدأ شعر رأسه يتساقط، وظهر عليه نحول شديد، إلى أن استيقظت ذات يوم، لتكتشف أنه تحول إلى جثة هامدة.
أما المواطن «أحمد.س»، فأكد، خلال لقائه ب»الصباح»، أنه ظل يشك في تصرفات زوجته، بعدما أشار عليه أحد رفاقه المخلصين بضرورة تعقبها، مشيرا إلى أنه لم يتردد في ذلك، وتعقبها ذات يوم، ليكتشف أنها تزور «شيخا» من «شيوخ» معقل الشعوذة ب»سيدي موسى». وأكد «أحمد» أنه اضطر إلى دفع حوالي 5000 درهم إلى أحد سدنة الضريح، ليزوده بمعلومات مقززة حول ممارسات زوجته، حيث أكد له أنها تتردد على ذلك الشيخ ليزودها بشرائح من لحم القردة، من أجل إطعامها له. وأكد له أنه شخص ذو حظ نادر، لأن زوجته ترددت مرارا على الشيخ من أجل الحصول على طلبها، لكنها كانت تعود بخفي حنين، لأن لحم القردة لم يكن متوفرا في تلك الأيام. وقال الرجل إنه استفسر زوجته، بعدما واجهها بالحقيقة، فتلعثم لسانها، وبدت كما لو أنها أصيبت بالخرس، فلم يجد بدا من تطليقها، والتخلص من شرورها.
كما قام دجال آخر، يزعم أنه يعالج بالقرآن الكريم، بتصوير فتاة وهي عارية تماما بعد أن غيبها عن الوعي بمادة مخدرة، وحصل منها على 100 ألف درهم، بعد أن هددها بنشر تلك الصور على الإنترنت، واستمر في ابتزازها بعد ذلك، مما جعلها تبلغ الشرطة عنه، التي انتقلت إلى وكره، وألقت القبض عليه. وبعد إحالته على النيابة العامة، توبع من أجل هتك العرض بالقوة وإعطاء «مادة مخدرة» للضحية، والنصب والحصول على مبالغ مالية تحت طائلة التهديد والابتزاز.
محمد البودالي