مساومة اليمنيات للحفاظ على الوظيفة ليست خضوعاً... بالضرورة
صنعاء - نجلاء حسن
يترتب على زواج الموظفات في اليمن تقديم تنازلات، لم يضعنها في حسابهن، لكنهن مستعدات لتنفيذها حفاظاً على بيت الزوجية، أو رضوخاً لتغيرات حياتهن، واحتراماً للعادات والتقاليد.
أخريات يرفضنها، وينجحن بذكاء «نسوي» في تجاوزها، وأن كن قليلات، لكنهن يبقين أفضل حالاً وأكثر استقراراً في حياتهن مع أزواجهن، مقارنة باللواتي أقدمن منذ البداية على تقديم التنازلات الواحدة تلو الآخرى، إلى أن ينتهي بهن الدرب إلى التنازل عن وظائفهن.
تقول أستاذة علم النفس الاجتماعي في جامعة صنعاء، نجاة صائم ان «الزواج بحد ذاته يجمع بين بيئتين مختلفتين، وشخصيتين مختلفتين هما الزوج والزوجة، كما أن متطلبات الحياة الزوجية تفرض على الطرفين كثيراً من السلوكيات لم يكن أي منهما يضعها في حسابه وهذا وضع طبيعي». وتضيف: «غير أن ما يحدث في اليمن، أن المرأة وبخاصة الموظفة، هي المطلوب منها تقديم التنازلات لضمان استمرار الحياة، وفي ذلك يتدخل الرضوخ للعادات والتقاليد، ويتدخل تحكم الزوج، وعدم الاتفاق على تفاصيل من البداية، وبخاصة إذا تزوجت الموظفة من زميلها في العمل وكان لديه إطلاع على علاقاتها مع زملائها في العمل حتى وأن كانت علاقات عمل وحسب، فهو يحاول أن يقلص من هذه العلاقات».
وتؤكد صائم أن أول ما قد يبدأ به الزوج هو الطلب من زوجته الموظفة أن تغير رقم هاتفها، ثم يتدرج الأمر إلى منعها من التواصل مع صديقات معينات، أو قطع صلاتها بصديقات الدراسة والعمل، في وقت لا يمكنها هي التدخل في الأمور ذاتها لديه، وبحكم التربية الثقافية التي تلقاها كل من الزوجين في منزلهما فإنها ترضخ للأمر، وأحياناً قد تفرض هي على نفسها حدوداً من دون أن يطلب منها ذلك علانية.
وتضيف: «تخشى الزوجة في هذه الحال أن تتعرض للوصم بأن عملها أثر فيها وأنها صارت غير مهتمة برأي زوجها، فتبدأ بتقديم التنازلات من بداية حياتها، إلى أن تصل الى مرحلة تجد أنها قدمت تنازلات لم يكن لها داعٍ».
أم أحمد وهي موظفة وزوجة موظف تقول ان زوجها طلب منها تغيير رقم هاتفها، وترك صديقة لم ترق له، غير أنهما وصلا إلى ذلك على أرضية اتفاق، تقول: «طلب مني تغيير رقم هاتفي فرفضت لكني أقنعته بأني لن أجيب على أرقام غير مسجلة لدي».
هذه الحال لم تستمر طويلاً لأن المعاكسات زادت وصار كثيرون يتصلون على هاتفها ويرسلون لها رسائل باسمها: «تضايق زوجي لكني أثق بنفسي كثيراً وهو يثق بي ويعرف حدود علاقاتي، وصلنا أخيراً إلى حل بأن أعتمد رقماً آخر وأغلق رقمي هذا، حتى يمل المعاكسون ويتركونا لحالنا»، وتعلق: «لا شيء سيضطرني لفعل أمر أنا غير مقتنعة به، نحن نتفاهم».
وتذكر أن زوجها طلب منها أن تقطع علاقتها بإحدى صديقاتها، وبالفعل نفذت طلبه لأنه أقنعها ووضح لها الأسباب ولم يأمرها بذلك أمراً. وتضيف: «يمكن المرأة أن تكون ذكية. نحن موظفات ومن الطبيعي أن تكون لنا علاقات واسعة مع الناس، وأعتقد أن من تغير رقم هاتفها أو تترك صديقاتها من دون أسباب مقنعة لديها ما تخاف منه».
وتشير «أم أحمد» إلى أنها تمكنت من إقناع زوجها بقطع علاقته بصديق لاحظت أنه في لقاءاته مع زوجها ومكالمته يتحدث عن زوجته بالسوء ويشكو منها باستمرار كما يتلفظ بألفاظ مشينة وبذيئة، وتقول: «طلبت منه أن يقطع علاقته بصديقه وهو على الأقل أمامي لا يتواصل معه، وأنا أعتبر ذلك له وأقدره».
على عكس «أم أحمد» تتخذ رؤى مواقفهـــا تجاه ما يطيب لها وصفه بـ «مقترحات» زوجها: «هو في البداية اقترح عليّ أن أحاول تقليص ساعات عملي، وكذلك علاقاتي مع زميلات العمل وبخاصة اللواتي لم يتزوجن بعد، وأنا في الحقيقة اقتنعت بوجهة نظره». وتتابع: «الحياة الزوجية تختلف عن حياة الحرية، لا بد للزوجة من أن تتعامل مع زوجها باحترام وأن تستمع لرأيـــه وتراعي غيرته عليها، ولهذا لا أرى فـــي ذلك تنازلاً لكن المركب لا بد من أن يسير كما يقول المثل».
وترى صائم، أن المستوى الوظيفي للزوجة أو وجود أطفال لا يضع حداً لتعنت الزوج مع زوجته إذا هي لم تستطع إصلاح الأمر من أوله، ورضخت تماماً لكل طلباته أو لكل ما يوجبه عليها المجتمع، وستجد في النهاية أنها الخاسرة الوحيدة، وربما عندما تتذكر ذلك وتحاول أن تنتفض يحدث انفصال ويقع الطلاق بسبب تحول الأمر إلى مسائل خلافية كبيرة. وتخلص الى ان «الحياة الزوجية تكامل وليس تنازلات أو من يحكم من، فالطرفان يتوجب عليهما تقديم التنازلات بما هو معقول وبما لا يمس من استقلالية أي من الطرفين على حساب الطرف الآخر».