الجوائز الثقافية مؤشرات إبداع أم مصائد ؟
سعد الدين خضر
اذا سلمنا بأن الجوائز الثقافية لا تلغي ابداع الآخرين الذين لم ينالوها، لأننا لا نقيس طول الانسان من ظله !! ولا عبقرية المبدع من جائزته...، والجوائز طرائد، ويصطاد الطير بالطير والفلس بالفلس..، والانسان صياد ولكن الشِباك تختلف..!! وإذ ارفض تشبيه بعض الباحثين عن الجوائز والمتقدين لها من مبدعينا بـ (الكاوبوي) الأمريكي (صياد الجوائز).. وأعني الكاوبوي الجوال الذي يبحث عن (مطلوب Wanted) يتصيده ويقبض ثمنه في براري الغرب الأمريكي كما قدمته لنا السينما الأمريكية (مترو جولدين ماير) (فوكس للقرن العشرين) (الاخوان وارنر) (كولومبيا) وسواها من شركات الانتاج السينمائي الكلاسيكي الأمريكي التي قدمت لنا أخلاقيات (الرواد Pioneers) بناة أمريكا ومؤسسي ثقافتها..، أقول إنني مثل غيري من الأدباء أرفض تشبيه هذا بذاك، أرفض أن أنظر الي
طموح المبدع المتفرد لينال جائزة علي أنه مجرد تنافس من أجل الفوز.. ومرة قال الشاعر الكبير المرحوم عبدالوهاب البياتي.. (أنا لست فرس رهان) !!.
فإذا كان الأمر كذلك، أي أن الجائزة (هدف) وليس (استحقاق) وانها لا تؤخذ كمؤشر علي الابداع والتفوق.. إذا كان الأمر كذلك إذن لنعتبر الروائي الأذربيجاني (مهدي حسين) مبدعا كبيرا لأنه نال (جائزة ستالين) عن روايته المعروفة (أبشيرون) التي تشرح سعادة الشعب الأذربيجاني في ظل النظام الشيوعي !! وتحت الحكم الستاليني
الصارم..!! وقد قامت (دار الفكر الجديد) اللبنانية بنشر الرواية في بيروت باللغة العربية عام 1955.
... وأقول مرة أخري...، إذا كان الأمر كذلك فإن الجائزة التي قدمتها السيدة جيهان السادات بإسم (جائزة ابراهيم) وتقصد نبي الله ابراهيم عليه السلام، قدمتها لكل من (الكاردينال جوهانز ويلبراندز) رئيس لجنة الفاتيكان للعلاقات مع اليهود، والي (جيرهارد راينر) رئيس المجلس اليهودي العالمي آنذاك أي قبل أكثر من عقدين من
الزمن.. إن تلك الجائزة وفق هذا المعيار الملتبس تعتبر صحيحة !! ولكني وأقولها بصراحة ما زلت في حيرة من أمر هذه الجوائز لقد اختلط عليّ أمرها (إنَّ البَقَرَ تَشَابَهَ عَلَيْنَا) [البقرة آية: (70)] وأصبحت في شك منها ! لاسيما حين أضعها الي جانب (جائزة نوبل للسلام) التي مُنحت للإسرائيلي (مناحيم بيغن) والتي يبدو أن مجلس حكماء جائزة نوبل في ستوكهولم قد تغافل عمدا عن التاريخ الاجرامي لـ (مناحيم بيغن) !! وأهمل سجله السياسي والعسكري المشين.. وغض النظر عن جرائمه ضد الانسانية ومنها دوره المعروف في مذبحة (قرية قبية) ومذبحة (قرية دير ياسين) ومجزرة (قرية نحالين) يوم قتل آلاف الأطفال والنساء والشيوخ في فلسطين بين عامي 1947-1950 أضف الي ذلك دوره التخريبي والتدميري في نسف (فندق الملك داؤد) بالقدس واغتيال الوسيط الدولي السويدي (الكونت فولك برنادوت) بالقدس في أيلول 1948 ومعه كبير المراقبين الدوليين الكولونيل الفرنسي (بيير سيرو).. أليست تلك جرائم دولية !؟ فكيف تمنح له جائزة انسانية دولية؟؟ كيف؟؟
ورغم السلبيات التي احاطت بالجوائز الثقافية العالمية والعربية، ورغم رفضنا لبعض معايير منح الجائزة، إلا أننا نعترف بأن الجوائز الثقافية ظاهرة فريدة في عالمنا الراهن... فالمشهد الثقافي الدولي والعربي يزخر اليوم بالعديد من تلك الجوائز التي باتت أكثر من وثائق تقديرية، واكثر من تكريم ومنح مالية (التي لا ننكر أنها تعزز القدرة المالية للمبدع وتوطد ثقته بقدرته الذاتية علي الاصدار والنشر.. وعلي السفر، إغناءاً لتجربته الحياتية والإبداعية فضلا عن ايصال نتاجاته الي دور النشر العالمية والي جمهور القراء في مختلف القارات).... نحن لا نشك في ان الجوائز الثقافية باتت تشكل علامات فارقة تؤشر الي هذا المبدع أو ذاك وتلفت اليه الانتباه.
للجوائز اذن فعلها المعنوي ودفعها الاخلاقي الذي يؤجج روح الكتابة والقراءة والتدوين والبحث.... ولا أظن أنني بحاجة الي سرد قائمة بأسماء وعناوين الجوائز الثقافية التي تمنح بعد ضجيج وضجة.. سوي أنني أذكر فقط بجوائز (نوبل) (بوليترز) (كونكور) (بوكر العالمية)... و (بوكر العربية) و (جائزة سلطان عويس) و (جائزة الشيخ زايد) و (جائزة مجلس الثقافة الأعلي في مصر) و (جائزة نجيب محفوظ) و (جائزة سعيد عقل في لبنان) و (جائزة معمر القذافي) و (جوائز اليونسكو) و (جوائز الدولة التقديرية) التي تمنح هنا وهناك.... و (جائزة منظمة نساء المستقبل) الغامضة والتي رفضتها الروائية رضوي عاشور عام 2005 بينما قبلتها غادة السمان واحلام مستغانمي وجمانة حداد ونورا محمد فرج؟؟!! ولا ننسي أيضا أن هناك (حانة جدل بيزنطي) في كارا كاس والتي تشبه الجائزة وقد فازت بها جمانة حداد عام 2010..
وأود أن أضيف الي تلك الجوائز، ذلك الاجراء الذهبي والمفاجئ والغامض الذي ابتدعته كل من الكاتبة (شيريل فيلد مان) والسيدة الثرية (نانسي سيكنر نوردهوف) المعروف بمشروع (هيجبروك) بدعوة ست كاتبات كل شهرين مرة للعيش في أكواخ (خمس نجوم) وفي غابة في الولايات المتحدة أشبه بالجزيرة المنعزلة.. الكاتبات الست ضيفات معززات كل منهن في كوخ مستقل يعجز القلم عن وصفه...!! وفي عام 2005 استضاف المشروع كل من الكاتبات (رجاء عالم) السعودية و (عالية ممدوح) العراقية و (سهير حماد) الفلسطينية و (شومان هادي) الكردية وأخري لبنانية لم أعد أذكرها... كل ذلك من أجل اتاحة أجواء الابداع لهن؟؟ وأزيد علي هذا، ذلك (المشروع - الظاهرة) لمؤسسة (الألتاشيدا) النمساوية حيث تقيم ومنذ ما يقرب من ثلاثين عاما مهرجانا سنويا للآداب العالمية، لاسيما الآداب
الشرقية.. وقد قرأت أن المشروع قد احتفي مؤخرا بالروائية المصرية (ميرال طحاوي).
أما جائزة (البوكر العربية) فقد دار حولها لغط كثير، واتهامات واستقالات أثارت بعض الشكوك في
مصداقيتها، من ذلك مثلا استقالة (رياض نجيب الريس) من أمانتها العامة، وانسحاب الدكتوره (شيرين أبو النجا) من لجنة التحكيم لعامر2010 ولا مجال للخوض في تفصيلات ذلك.
أعود الآن الي موضوعي الخاص بعد أن أخذني العام، فأقول إن (كلية الحدباء الجامعة) في الموصل أعلنت في مطلع نيسان 2010 أنها قررت استحداث (جائزة زهرة البيبون) المؤلفة من درع وشهادة تقديرية ومكافأة مالية..، للمبدعين الموصليين في المجالات الثقافية من غير الأكاديميين..، وتمنح مرة واحدة سنويا، وقد تم تخصيصها هذه السنة للمؤرخين، و (كلية الحدباء الجامعة) كلية أهلية معترف بها أكاديميا ولها تاريخها العريق في المدينة.. أما (زهرة البيبون) أو (البابونج) فزهرة موصلية خاصة وفريدة تتميز بها ربوع الموصل وضواحيها.. وكثيرا ما تتخذ رمزا للمدينة ومهرجاناتها ومؤسساتها.. وللزهرة استخدامات طبية وعلاجية ناجحة معروفة، فضلا عن شكلها الرائع بأوراقها البيضاء ووسطها الأصفر ورائحتها الذكية.. وأري أن هذه الزهرة تعد شقيقة (شقائق النعمان) أو (الأقحوان) فكلاهما تزهر في موسم واحد هو الربيع الموصلي. والموصل أم الربيعين كما نعرف.
وقد كشف السيد غانم العابد مدير اعلام (كلية الحدباء الجامعة) بأن عدد المتقدمين لنيل الجائزة بلغ (20) مؤرخا موصليا ورأي العابد أن جميع من تقدم من هؤلاء يستحق الفوز. وقد تشكلت لجنة التحكيم من الدكتور ابراهيم خليل العلاف رئيسا والدكتور احمد قاسم الجمعة والدكتور سالم توفيق النجفي والدكتور اسامة محمد سعيد المفتي والسيد غانم العابد، أعضاء. وأشار الدكتور عبدالعالي صالح عميد (كلية الحدباء الجامعة) الي أن هذه الجائزة ستكون تقليدا سنويا تمنح لغير الأكاديميين.
وفي احتفالية خاصة جري تقديم الجائزة يوم الخامس من تشرين الأول من عام 2010 للفائزين بها وهما كل من الكاتب الموسوعي (بسام ادريس الجلبي) والكاتب (عبدالله أمين أغا) الأثاري المعروف، حيث تم تكريمهما علي وفق ما ذكرنا أعلاه.
ورغم أن كاتب هذه السطور كان من بين المتقدمين للجائزة، إلا أنني أعترف بصواب وصدق أختيار اللجنة التحكيمية، فكل من الأخوين (بسام ادريس الجلبي) و (عبدالله أمين أغا) يستحق الجائزة بجدارة. إن (بسام ادريس الجلبي) كاتب ساخر، وموسوعي دؤوب وقاص مبدع، ويحمل شهادة جامعية في الاقتصاد، وقد اجتهد في كتابة (موسوعة أعلام الموصل) وصدرت بجزأين عام 2004. أما السيد عبدالله أمين أغا فيحمل شهادة البكالوريوس في علم الآثار من جامعة بغداد وقد نشر العديد من المؤلفات التي تبحث في تاريخ الموصل ومنها مثلا كتابه (بلد، أسكي موصل : تاريخها وآثارها) 1974 و ( محلة باب البيض) 2005 ومؤلفه المهم (معجم الاتباع الدارج في لهجات الموصل) 2005.
وعبدالله امين أغا هو نجل الصحفي الرائد (أمين عبدالله أغا) صاحب ورئيس تحرير جريدة (الأساس) الموصلية التي صدرت عام 1953.
ولعل الأمر المحزن في هذه المناسبة الثقافية، أعني منح (جائزة زهرة البيبون) لكاتبين موصليين معروفين أن أحدا من الوسط الثقافي لم يلتفت الي هذا الحدث، ولم يتم الاحتفاء بالكاتبين كما جرت العادة، كما لم يتم التعريف بهما والاشارة اليهما في الصحف الموصلية... باستثناء ما قامت به جريدة (عراقيون) من تغطية تقتضيها الوجائب الصحفية فنشرت بقلم أيمن الجبوري عرضا مفصلا للاحتفالية في عددها يوم 12 تشرين الاول 2010؟؟