[center][b]محمد عبيدالله: مهمة الأرشفة علمية وتوثيقية تقع في المقام الأول على الدول والمؤسسات الثقافية
عبيد الله: الاهتمامَ بتحقيق المخطوطات والعناية بها تراجعَ في العصر الحالي-(أرشيفية)
ناقد مهتم بجمع الأعمال غير المنشورة لبعض الأدباء في الأردن وفلسطين
عزيزة علي
عمان - قال الناقد د.محمد عبيدالله إنَّ "الأرشيف مكون مهم من مكونات أية ثقافة"، وإنه "صورة من صور صيانة التراث الثقافي البعيد والقريب"، لافتا إلى أنَّ مهمة الأرشفة "علمية وتوثيقية تقع في المقام الأول على الدول والمؤسسات الثقافية والجمعيات المتخصصة".
وذهب في حوار مع "الغد" إلى أنَّ الأرشيف يُعنى بـ"حفظ الذاكرة الثقافية بمختلف مكوناتها وموادها وتوفيرها للدارسين متى احتاجوا إليها"، رائيا أنَّ ذلك لا يعفي المثقف والباحث من أن يكوّن أرشيفه الخاص.
وللناقد عبيدالله أرشيفه الشخصي الذي يقول إنه يتلاءَمُ مع اهتماماته، مشيرا إلى أنَّهُ يضمُّ صورا عن المخطوطات العربية القديمة، ورقية وإلكترونية، جمَعَها قديما من المكتبات ودور الكتب العربية والتركية أو من خلال بعض الأصدقاء.
ويبين أنَّ معظم مواد الارشيف المخطوط يستفيدُ منه في التدرب على تحقيق المخطوطات، فضلا عن تدريب طلبته في الجامعة لغايات تعليمية وتراثية تتصل بمتابعة تطور الكتابة العربية والخط العربي والمقدرة على قراءة المخطوطات.
ويُدينُ عبيد الله إلى الراحلَين إحسان عباس ونصرت عبدالرحمن، وإلى صلاح جرار وجاسر أبو صفية وعبدالجليل عبدالمهدي في الإشارة إلى أهمية المخطوط العربي، والاستناد إليه والبحث عنه لاستكمال الدراسات والبحوث.
ويعتقد أنَّ الاهتمامَ بتحقيق المخطوطات والعناية بها تراجعَ في العصر الحالي، لافتا إلى أنَّ لديه شغف نقله إلى أساتذته، وخاصة الراحل إحسان عباس الذي كان يجمع بين الاهتمام بالمطبوع والمخطوط. ويتمنى عبيدالله لو أنه عاشَ عصر ازدهار التحقيق ليساهم فيه، مبيِّنا أنَّ لديه محاولات لم تنشر، أبرزها الاهتمام بكتابين أو رسالتين مخطوطتين لمؤلف فلسطيني من العصر العثماني، وهو الشيخ مرعي بن يوسف الكرمي، والرسالتين في أدب الحب والمحبة الذي اعتنى به العرب والمسلمون وألفوا فيه أعمالا مشهورة، مثل: "طوق الحمامة" لابن حزم، و"مصارع العشاق" للسراج، و"الواضح المبين فيمن استشهد من المحبين"، للحافظ مغلطاي.
والرسالة الأولى، وفق عبيدالله، تحمل اسم "تسكين الأشواق بأخبار العشاق"، لافتا إلى أن الشاعر
عز الدين المناصرة أهداه نسخة منها، وأصلها في مكتبة جامعة صوفيا البلغارية. والرسالة الثانية اسمها: "منية المحبين وبغية العاشقين" وتحتفظ بأصلها دار الكتب المصرية، وكانت أرسلتها إليه الدكتورة كرمة سامي نسخة منها.
ويؤكد عبيدالله أنَّ الرسالتين تتكاملان معا وتطلع القارئ على اهتمام الشيخ مرعي الكرمي الفقيه الحنبلي المشهور والمفتي الأزهري بالحب والمحبة على طريق من سبقه من الفقهاء والمشايخ الذين اعتنوا بهذا الموضوع، كابن حزم الظاهري وجلال الدين السيوطي وغيرهما.
وحول أرشيفه لبعض أدباء العصر الحديث، خصوصا مع اهتمامه بالأدب الفلسطيني والأردني بوجود عدة مؤلفات له في هذا المجال، يجد عبيد الله أنه من الصعب أنْ يستكملَ الباحثُ والناقدُ المهتمُّ بتاريخ الأدب قديما أو حديثا عمله من دون أرشيف منظم يتضمَّنُ ما يحتاج إليه من مصادر المعلومات والنصوص والكتابات اللازمة.
ويقول "فعلا حملني اهتمامي بالأدب الحديث في فلسطين والأردن على جمع معظم الأعمال القصصية والروائية في القرن العشرين"، مشيرا إلى أنَّ ذلك الاهتمام توسَّع لجمع الكتب التي عرضت لتلك الأعمال ووثقتْ لها، وكذلك المجلات والدوريات التي نشأ فيها الأدب الحديث في فلسطين والأردن.
ويبين أنَّ هناك أعمال كثيرة لم تجمع في كتب، لافتا إلى أنَّ المهم الالتفات إلى مؤرِّخ الأدب من خلال الدوريات والمجلات المهمة. وبدأ الاهتمام بمجلة الأفق الجديد المقدسية التي خصص عبيد الله رسالته للماجستير لدراستها بإشراف د. عبدالرحمن ياغي، وانتهى منها مطلع العام 1995.
ويُضيف: "تعبْتُ وقتها بجمع أعداد المجلة، واستعنتُ بالراحل خليل السواحري وبشكري حجي وإبراهيم السعافين وسمير قطامي، الذين أعانوني باستكمال الأعداد الناقصة وكل ذلك قبل أنْ يُعادَ نشر المجلة (ناقصة) بمناسبة اختيار عمان عاصمة للثقافة العربية العام 2002".
ويؤكدُ أنَّها مناسبة للتأكيد أن الطبعة التصويرية التي أعيد نشر المجلة بها طبعة تنقصها أعداد السنة الاخيرة، وكان قليل من الجهد يمكن أن يسهم في إصدار نسخة كاملة تقدم مرجعا لا غنى عنه لدراسة التاريخ الأدبي والثقافي في فلسطين والأردن.
ويؤشِّرُ عبيد الله إلى اهتمامه بجمْعِ الأعمال غير المنشورة لبعض الأدباء في الأردن وفلسطين، لافتا في السياق ذاته إلى أنه اكتشَفَ أنَّ القاص الراحل ماجد أبو شرار عندما قارن جمعه لنصوصه بما ظهر في مجموعته القصصية الوحيدة "الخبز المر" أنها أخلت بكثير مما نشره، ولم تضم إلا عددا قليلا من قصصه.
ويرى عبيد الله أنه كان من الضروريِّ نشر أعمال أبو شرار القصصية شبه الكاملة، وقد قام بذلك تلك وكتب لها مقدمة نقدية تضعها في سياقها التاريخي، وتبين ارتباطها بالروح الفلسطينية الناهضة المقاومة في الستينيات.
ومن بين ما لديه يعتز عبيد الله بدفتر قديم يُمثِّلُ مخطوطا شعريا للشاعر الشهيد علي فودة، يضمُّ قصائدَ غير منشورة في مجموعاته القصصية، وفي مجلد الأعمال الكاملة الذي ظهر في السنوات الأخيرة بعناية عدد من محبيه، مشيرا إلى أنه يحتاجُ إلى تحقيق في ضوء المنشور، وقرار يتبين سبب عدم ظهور القصائد في المنشور من المجموعات، أهو الزمن الذي لم يمهل الشاعر ولأن الدفتر لم يكن معه أم لأنه قرر استبعاد بعض محتوياته؟
ويتابع "ليس يهمني نشر الأعمال بمقدار ما تساعدني على الدراسة الصحيحة للكاتب أو الشاعر، حتى لو فضلت عدم النشر في حال تينت أن صاحبها لم يرد نشرها لسبب فني أو غير فني. وأحتفظ أيضا بأعداد من مجلة الرصيف التي أصدرها علي فودة مع أصدقائه الرصيفيين في تجربة مهمة من تجارب الصحافة المهمشة والدفاع عن الهامش".
أما القاص الراحل خليل السواحري الذي جمعته "صداقة ومحبة" مع عبيد الله الذي يؤكد أنه كتبَ عن أعماله القصصية والنقدية، وفي سنوات حياته الأخيرة تعاونَ معه لجمع مقالاته وأعماله النقدية التي توزعت بين مقالات منشورة في الصحف والمجلات وبعضها مخطوطة، كما كتب لتلك الأعمال مقدمة دراسية.
ويستدرك: "لكنَّ المخطوط كله ضاع وما نزال نحاول العثور عليه في أوراق دار الكرمل التي تفرق شملها منذ مرضه الأخير ورحيله على أمل أن أعثر عليه بالتعاون مع أسرته"، مبديا اعتزازه بالاحتفاظ ببحث مهم للسواحري لم ينشره، وهو بحثه الفكري-الفلسفي الذي قدَّمَه للجامعة اليسوعية، ونالَ عليه دبلوم الدراسات العليا في مجال الفلسفة، حيث وكان يخطط لنيل الماجستير عن رسالة عنوانها: مدينة الفارابي الفاضلة: المصادر الإسلامية فيها، لكن الوضع الحي لم يمكنه من ذلك فاختصر المشروع إلى بحثه القصير (في حوالي 60 صفحة) بعنوان: علوم الفلسفة بين الغزالي وابن خلدون.
ويقول عبيد الله إنَّ مثل تلك المعلومات غير المنشورة تفيد الباحث وتمنحه صورة أكمل عن الأديب الذي يدرسه، معتبرا أنه كثيرا ما يغفل المرء عن أمور مهمة في حال اكتفى بالمتوفر والشائع، ولم يتعب نفسه في استكمال مواد بحثه من مختلف النواحي حتى لو كانت مواد مخطوطة أو مجهولة.
وعن غالب هلسا، يؤكدُ أنه من بين من جمَعَ أعمالهم كقارئ، مشيرا أنَّ لديه معظم طبعات رواياته قبل نشرها في مجلدات أو طبعات جديدة، وقدر كبير من مقالاته وترجماته المنشورة في صحف ومجلات عربية متعددة مصرية وعراقية ولبنانية وسورية وفلسطينية وبعضها لم يظهر في كتب حتى اليوم. وأكدَ أنها تستحقُّ النشر لاستكمال صورته وأعماله النقدية.
ويدعو عبيد الله أسَرَ الأدباء الراحلين بوجه خاص ألا يضنوا بما لديهم من أوراق ومخطوطات تخص الأدباء، وأن يعلنوا عنها ويودعوها إن أمكن لدى الجامعات أو رابطة الكتاب الأردنيين لتسهم في إضاءة جوانب مجهولة من إنتاج الراحلين.
ويذهب إلى أنه في كثير من الأحيان تحتجز مخطوطات مهمة هي في الأصل ملك لتاريخ الأدب وتراث الراحلين مع تقديرنا للورثة المباشرين وصلتهم العائلية بالراحلين، مجدِّدا النداء لأسرة الراحل مؤنس الرزاز بالإفراج عن سيرته الجوانية التي ختم بها حياته، فما نشر منها حتى الآن مقتطفات وفصول مراقبة عائليا أما أهم فصولها فلم تنشر بعد رغم مرور سنوات على رحيل مؤنس.[/b]
[/center]