قصتان من الأدب الصيني الحديث
ترجمها من الفرنسية : ابراهيم درغوثي / تونس
1 – الرجل والقردة - ل : واي جنشو
استعرض رجل مع طفله القرود في حديقة الحيوانات ، فقال :
- هل تعرف أسماء هذا النوع من الحيوانات ؟
فأجابه الطفل :
- لا أعرف يا أبي .
وظل يتابع بعينيه القرود وهي تقفز في كل الاتجاهات .
- تذكر يا بني إن هذا النوع من الحيوانات يسمى القرد ، وهو حيوان وجد في هذا العالم لتسلية الإنسان .
هكذا حدث الوالد ولده بحكمة الكبار ، لكن الابن تساءل :
هل حقا ما تقول يا أبي ؟
فرد عليه الأب :
أنت لا تصدق كلامي ؟ أنظر إذن .
وأخرج من حقيبته حبة فول سوداني رماها في القفص ، وراء ظهر القرد الكبير الذي استدار بخفة عجيبة نصف دورة قبل أن يختطف حبة الفول الطائرة بفمه . وعاد فاستخرجها بقائمته الأمامية ، فقشرها وأكلها مكشرا تكشيرات مضحكة .
وجد الطفل أن القرد أتى عجبا فانفجر ضاحكا .
وأبهجت الأب حركات الحيوان ، فرمى حبة فول سوداني أخرى داخل القفص مباشرة ، فوق مؤخرة القرد الذي أنجز تمارين المرة السابقة : استدار وقفز ، فاختطف الفولة بفمه " على الطائر " ، ثم استخرجها ، فقشرها وأكلها .
وتشجع الرجل ، فواصل رمي الفول السوداني حبة وراء حبة داخل القفص . والقرد الكبير يختطف الفول ليأكله أو ليوزعه على صغاره المتجمهرين حوله .
وغادر الأب وابنه المكان متحسرين بعد أن فرغ الكيس الكبير من حبات الفول .
في طريق عودتهم إلى المنزل سأل الطفل أباه :
- أبي ، لماذا كنت في كل مرة تقذف بحبات الفول وراء ظهر القرد الكبير ؟
- لقد قمت بذلك متعمدا حتى أجعل القرد الكبير يدور ويستدير . فلو رميت الحبات في وجهه لما كان مضحكا بذلك الشكل .
هكذا عبر الرجل عن رضاه بما أنجز ذلك اليوم .
وأفحمت الإجابة الولد ، فهتف :
- كم أنت ماكر يا أبي .
فأضاف الأب :
- يظن القرد نفسه ذكيا دون أن يعلم أن الإنسان قادر على أن يجعله يقع بسهولة في فخاخه .
وا أسفي عليك أيها القرد .
في حديقة الحيوانات ، أشارت قردة كهلة إلى عدد من البشر واقفين أمام القفص وسألت طفلها :
- هل تعرف ما يسمى هذا النوع من الحيوانات ؟
أجاب الطفل القرد :
- لا أعرف .
وظل يتفرس في وجوه المتفرجين الضاجين بالكلام .
فواصلت القردة :
- تذكر يا بني أن هذا النوع من الحيوانات اسمه الإنسان . وهو لعبة ما وجدت إلا لتسليتنا خصيصا نحن القردة .
فرد عليها القرد الصغير مشككا في كلامها :
- هل حقا ما تقولين يا أمي ؟
- أنت لم تصدق كلامي ؟ سترى ...
في هذه اللحظة ، بدأ رجل كهل في إلقاء حبات الفول السوداني داخل القفص ، وراء ظهر القردة التي استدارت بخفة عجيبة ، فترددت هنيهة قبل أن تختطف الفولة الطائرة لترمي بها في فمها . ثم عادت فاستخرجتها بقائمتها الأمامية وقشرتها وأكلتها وهي تومئ إماءات مضحكة .
وظلت القردة تقوم بأدوارها ، والرجل يرمي الفول السوداني وراء ظهرها إلى أن أفرغ الكيس الكبير داخل القفص .
وذهب الزوار ، فسأل القرد الصغير أمه :
- لماذا تلقيت الفولات بفمك يا أمي ؟
فخورة بإنجازها ، قالت القردة :
- لو اختطفتها بقائمتي ، هل كان الرجل سيواصل إلقاء لبفول داخل القفص ؟
فصاح القرد الصغير معجبا بأمه :
- كم أنت عظيمة أيتها الأم .
فأضافت القردة والدنيا لا تكاد تسعها :
- الإنسان ، نوع من الحيوانات يظن نفسه شديد الذكاء لكنه لا يدري أننا نستطيع خداعه بسهولة نحن القردة .
يا لبؤسك أيها الإنسان ...
2 - آذان الصمت
ل : زهاو جينيان
لاحظ أنّ كلّ المشاركين في الاجتماع كانوا يفكّون آذانهم الواحد بعد الآخر. هذه الآذان الشّبيهة بفوانيس كهرباء صغيرة كانت تلتصق على جانبي الرّأس بواسطة قطع حديد مشدودة ببراغي. كان يكفي الواحد منهم أن يحكّ منبت الأذن بيده فتفكّ بسهولة ويسر.
إنّه اكتشاف مذهل: أن تستطيع فكّ أذنيك عندما يثقل عليك هذر المحاضر ويطول حديثه فيما لا يعني فتختار الابتعاد عنه دون أن تتحوّل من مكانك.
فرفع يديه. وحاول قلع أذنيه . لكنّه لم يتمكّن من ذلك إلاّ بعد جهد جهيد ... ربّما لأنّها كانت محاولته الأولى. لكن ما فاجأ نظره هو أنّ وجدهما مغطّاتان بطبقة كثيفة من القذارة. فانهمك في فركهما وكأنّه يفرك أواني طبخ إلى أن انتزع من الدّاخل والخارج قشرة غليظة من القذى.
وأسف لأنّه لم يكن يعلم أنّ الآذان سهلة الاقتلاع والتّركيب وإلاّ لما كان ترك كلّ هذا الكم من الأوساخ يلتصق بأذنيه فيصمّهما ويكاد يحوّله إلى أطرش.
ونظر إلى المحاضر بقسماته المعبّرة وهو يقوم بدوره السّخيف فوق المنبر محرّكا يديه في كلّ الاتّجاهات.
كان بعد الحاضرين شديدي الخبث. فهم يفكّون آذانهم من حين لآخر فينظّفونها جيّدا ثمّ يعيدونها إلى مكانها. لوم يجد الخطيب ما يعيد في تصرّفهم. فالحكمة تقول إنّه كلّما جعلنا الآذان أنظف كلّما كان سمعنا أحدّ. إنّ برهان مقنع وغير قابل للاعتراض.
وأحسّ الرّجل بضربة خفيفة على كتفه فانتفض ظنّا منه أنّ المحاضر ذكر اسمه أو وجّه إليه ملاحظة. لكن لم يحصل شيء من هذا، ففي حقيقة الأمر كان جاره يحرّك شفتيه الرقيقتين ولكنّه لم يكن يسمع همسه فكأنّه يحادث أصمّا.
سارع الرجل إلى تركيب أذنيه فسمعه يقول:
- بما أنّك الكاتب الخاص للمحاضر، لماذا لا تسمع إليه بانتباه؟
- ليس في الأمر ما يُعيب. فأنا أعرف هذا الخطاب لأنّني كتبته بيدي.
- لماذا إذن وضعت فيه كلاما لا يفيد أحدا حتّى أنّك فضّلت عدم الاستماع إليه؟
- في الحقيقة، ما هذا بالخطاب الذي كتبته ! فلم تكن به كلّ هذه الأوراق. ولكنّه صار بهذا الطول بعد أن تداول عليه الخطباء درجة فدرجة.
حين انتهى المحاضر من قراءة التقرير ، رفع النّص عاليا وأعلن بصوت جهوري:
- أنا غير موافق على بعض النّقاط الواردة في هذا التّقرير: لكن هذه الجملة التي كان من الممكن أن تحدث بلبلة في الحضور لم تجد الصّدى المرجوّ، لأنّ أغلب المستمعين لم يكونوا قد وجدوا الوقت الكافي لإعادة تركيب آذانهم أو لأنّ آذانهم ما عادت قادرة على الاستماع بعد هذه الخطبة الطّويلة.