رسالة إلي الحكام العرب:..
هكذا يبيع الغرب عملاءه!
صفاء صالح
الزمان: التاسعة مساء بتوقيت جرينيتش
المكان: داخل طائرة 'بوينج BBJ 737' تحلق فوق مطار جزيرة سردينيا بإيطاليا.
الحدث: الرئيس التونسي السابق زين العابدين بن علي يبحث عن مكان يؤويه، ويطلب الجوار من حلفائه بالغرب، بعد أن أتي الرفض من مالطة أولا حيث أشار متحدث باسم وزارة الخارجية في مالطا إلي أن قائد طائرة بن علي اتصل ببرج المراقبة في مطار فاليتا، طالبا السماح بالتحليق في أجواء البلاد في طريقها إلي بلد آخر. ونفي المتحدث أن تكون هناك خطة لهبوط الطائرة في الأراضي المالطية، ثم توالت اللطمات فهذه إيطاليا حين أمرت سلطاتها الطائرة بمغادرة سردينيا فور انتهائها من التزود بالوقود، ترافقها مقاتلتان حتي خروجها من المجال الجوي الإيطالي. وقد أعلنت وكالة الأنباء الإيطالية أن الطائرة كانت متجهة إلي باريس تنصلا من ذلك العار لتأتي الصفعة الفرنسية حين رفض الرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي استقباله بل أعلنت فرنسا اعترافها بالانتقال الدستوري الذي حدث في تونس ومغادرة الرئيس التونسي زين العابدين بن علي البلاد، وتتوالي اللطمات لتعترف بريطانيا بإرادة الشعب وتدعو إلي احترام حقوق الإنسان وحق التظاهر ويقول المتحدث باسم الحكومة البريطانية: إن تونس تعيش لحظة تاريخية؛ مشيراً إلي أن التونسيين عبّروا في الأسابيع الماضية عن تطلّعاتهم ويتبعها البيت الأبيض الذي صرح بأن الشعب التونسي لديه الحق في اختيار زعمائه، وأن الولايات المتحدة ستتابع أحدث التطورات عن كثب.
لطمات الحلفاء تتوالي لتضرب مثلا لكل من تسول له نفسه أن ارادة الغرب تستطيع التغلب علي إرادة الشعب فقد أثبت التاريخ أن 'البيض الموضوع في سلة الغرب يؤكل ولا يفقس'، فها هو 'بن علي' يلحق بـ 'بو رقيبة' الذي سبق أن أزاحه بن علي عن الحكم بانقلاب أبيض في السابع من نوفمبر ٧٨٩١.
إن ماحدث مع بن علي من تنكر الغرب له بعد ما قدمه لهم من خدمات هو مجرد حلقة في سلسلة من بيع للحلفاء سبقه إليها النميري الذي حصل علي الماجستير في العلوم العسكرية من الولايات المتحدة الأمريكية ليعود إلي السودان ويصل إلي السلطة عن طريق انقلاب عسكري في 25 مايو 1969 حتي 6 ابريل 1985. و بدأ النميري منذ مطلع السبعينيات في بناء علاقات متميزة مع الولايات المتحدة.
وكان قد أكد عام 1971 أن تلك العلاقات ستظل جيدة في المستقبل. وبينما كان النميري مسافرا للعلاج في واشنطن خرج الناس إلي الشارع تقودهم النقابات والاتحادات والأحزاب، فأعلن وزير دفاع النظام آنذاك الفريق عبدالرحمن سوار الذهب انحياز القوات المسلحة للشعب، فيما كان نميري في الجو عائدا إلي الخرطوم ليحبط الانتفاضة الشعبية، ولكن معاونيه نصحوه بتغيير وجهته إلي القاهرة، ولجأ سياسياً إلي مصر من 1985 إلي 2000، ولم تنقذه حليفته واشنطن التي كان يتباهي بعلاقته معها قائلا: 'منذ 15 عاماً كنا قد وضعنا خطة لأن يصبح السودان أمريكا إفريقيا لأننا نملك الأرض والناس والإمكانات ولنا علاقات دولية واسعة'.
ولم تختلف بداية ولد طايع الرئيس الموريتاني السابق أو نهايته عن بن علي.. فالمقدمات لا تُفصل عن النتائج حيث أعد الفرنسيون الشاب معاوية ولد الطايع لإدارة فترة ما بعد ولد هيدالة، وبانقلاب أبيض قرر ولد الطايع إزاحة ولد هيدالة، أثناء سفره إلي قمة إفريقية، ثم قرر لاحقا الزج به في سجن قاس استمر إلي 28 نوفمبر ٨٨٩١. وارتكب عدة مذابح في حق الزنوج الموريتانيين، إضافة إلي تصفيات ضخمة في صفوف البعثيين الموريتانيين.
وتتواصل الأزمات السياسية في نهاية الثمانينيات، فقد قرر ولد الطايع الضرب بيد من حديد ضد من يعارضه، كما قرر أيضا مواجهة جيرانه السنغاليين بالقوة، لتنشب حرب ضروس، دفع الموريتانيون ثمنها من أمنهم ومالهم وأرواح أبنائهم ووحدتهم الوطنية.
وعلي صعيد العلاقات الخارجية، ظل التوتر العلامة الأبرز بين ولد الطايع وعدد من الدول العربية، وبالخصوص العراق وليبيا، فيما كانت علاقاته وطيدة وقوية بالفرنسيين، ثم اتجه صوب الولايات المتحدة الأمريكية، ولم يكن هنالك طريق أقصر من البوابة الصهيونية، حيث فتح ولد الطايع باب علاقة مشئومة مع الكيان الصهيوني.
ولم تشفع له هذه التنازلات ـ قبل أن يغادر السلطة ـ مكرها ـ خلال رحلة تعزية إلي المملكة العربية السعودية، حين قرر كبير حراس الرئيس، الإطاحة ليحصل علي ـ حق اللجوء ـ في دولة قطر ليعيش في عزلة تامة.
وفي إيران عام 1951 باركت أمريكا والغرب ثورة محمد مصدق علي الشاه حتي قام مصدق بتأميم شركات البترول الغربية وهنا تحدثت المصالح بلغتها لتطيح بمصدق، وتعيد الشاه إلي عرشه مرة أخري عام 1953، ليساند الغرب محمد رضا بهلوي حتي قيام الثورة الإسلامية عام 1979 التي استبدلت الملكية بالحكم الديني ويجد الشاه نفسه طريدا لم تقبل لجوءه اي دولة سوي مصر ليتحول لقب الشاه إلي عار يلازمه حتي وفاته ويجعل حلفاءه يتنكرون له.
اليوم تعلو كلمات محمود درويش في الأفق حينما خاطب امرؤ القيس الذي استعان بالروم لاسترداد حكم أبيه فعشموه وماطلوه حتي مات مغتربا مريضا لم يُجره أحد من قبائل العرب التي مر بها:
لم يقل أحد لامرئ القيس: ماذا صنعت بنا وبنفسك؟، فاذهب علي درب قيصر، خلف دخان يطل من الوقت أسود. واذهب علي درب قيصر، وحدك، وحدك، وحدك
واترك لنا، ههنا، لغتك