اجراءات الحكام العرب الترقيعية
تسابق الحكام العرب على التصريح بضمان وظائف للعاطلين ومساعدة الفقراء وتوفير السلع وخفض اسعارها، بعد اهتزاز عروشهم، انما يدينهم ويؤكد لشعوبهم مدى طغيانهم وظلمهم.
بعد ان سقط حاكم تونس الغارق في الاستبداد والطغيان اكثر من عشرين عاما، ليأتي في اخر اللحظات ويقول بهستيرية من ينازع الروح 'انا فهمتكم. اي نعم فهمتكم!' وينثر الوعود الزائفة بانه لا حجر الان على الحريات، وبان هناك خطة جاهزة لانهاء البطالة ودعم السلع الضرورية ومساعدة الفقراء، في محاولة يائسة لاعادة الجموع الغاضبة الى ما كانت عليه في غياهب الغفلة والخنوع والاستكانة لبطشه وجبروته، بعد هذه الدراما التي شهدها العالم اجمع في دهشة وعدم تصديق من سرعة وتيرة تهاوي الطاغية ونظامه البائد، وهروبه المشين سارقا معه المليارات من الدولارات، وطنا ونصف الطن من الذهب الخالص، جعله وآل بيته مطلوبين دوليا كمجرمين ولصوص ثروات الشعب التونسي، بعد كل هذا، سيطر الخوف ودب الرعب في حكام العرب الطغاة والظلمة فصاروا يتسارعون لوقاية عروشهم من الزلزال المتنامي كالتسونامي، ولكن هيهات تنفع قرارات ووعود تأخرت كثيرا وجاءت في وقت استفاق فيه المقهورون والمضطهدون، المستكينون ردحا من الزمان قاربت الربع قرن في السودان وتعدت الثلاثين عاما في مصر، واوشكت على نصف القرن في ليبيا واليمن وتواصل عهد الابن بما خلفه الاب في سورية. فسمعنا تصريحات هنا وهناك طابعها وابرز محتواها، انهاء البطالة وخفض الاسعار ومساعدة الفقراء وكأن وحيا نزل عليهم فجأة بوجود حلول لهذه المعضلات، وكأنه لاول مرة تزول الغشاوة من على اعينهم الجاحظة الان بعد السقوط المدوي لابن علي، ولكن العيون لا تعمي بل القلوب التي في الصدورهي التي يصيبها العمى.
فها هو الرئيس المصري الان يطالب بأخذ قرار المحكمة ببطلان نتائج الانتخابات في اكثر من سبعين دائرة مأخذ الجد، وهو الذي تشدق قبل انتفاضة شعبه بان الانتخابات كانت نزيهة وحرة، ويوجه بحل مشكلة البطالة فورا وهو الذي قبع على كرسي الرئاسة اكثر من ثلاثين سنة، ولم يلتفت الى صرخات المتبطلين بسبب سياساته وفساد حاشيته وآل بيته واصهاره.
والرئيس السوداني ونائبه خرجا علينا البارحة بنفس الوعود، وبان هناك خمس الاف وظيفة تنتظر الخريجين، وهم الذين كرسوا الوظائف لثلة محدودة من محسوبيهم وافراد قبائلهم، لدرجة ان وزارة باكملها كوزارة الطاقة صارت حكرا على قبيلة وزير الطاقة السابق، الذي رفض المثول امام لجنة الطاقة بالبرلمان للاجابة على تساؤلات اللجنة بهذا الخصوص في صلف وتكبر لا مثيل له، وكان الوزير هو اعلى سلطة ومركزا من البرلمان. بعد اكثر من عشرين سنة بطشا وتنكيلا وتجويعا للشعب السوداني، الان فقط ادرك الرئيس ونائبه ان هناك بطالة، وان السلع غالية وان هناك شريحة كبيرة من الفقراء يحتاجون الى دعم الحكومة التي افقرتهم بمصادرة مزارعهم وحرق ما تبقى منها، واغلاق او خصخصة المشاريع التنموية كمشروع الجزيرة ومشروع جبل مرة والسافنا في دارفور.
وهكذا، وعد رئيس ليبيا واليمن ورئيس سورية بذات الوعود. ووعودهم هذه تدينهم اكثر من ان تكسبهم ثقة شعوبهم، لانهم اثبتوا انهم كان يمكن ويجب ان يفعلوه من قبل ان تبلغ الروح الحلقوم ويهتز العرش من تحتهم.
فلماذا يصر هؤلاء الطغاة على اغفال طلبات شعوبهم المتواضعة التي لا تعدو قليلا من ضروريات الحياة وشيئا من الكرامة الذاتية، ولكن هؤلاء الباطشين كلما جعر وجهر هؤلاء المقهورون من شعوبهم بمعاناتهم زادوهم بطشا وظلما وتنكيلا، بل وامعنوا في سرقة اموالهم حتى صار اكثر من ثمانين بالمائة من ثروات البلاد بايدي اقل من خمسة بالمئة من سكانها، جلهم من آل بيت الرئيس ونائبه والوزراء وقادة الحزب الحاكم الذي هو الوحيد في غالبية هذه البلاد المنكوبة؟ اهو الجشع والطمع والهلع ما جعلت رئيسا يكنز 9 مليارات دولار يكفي نصفها فقط لرفاهية شعبه ولحل مشكلة دارفور مثلا حلا جذريا؟ او لماذا بالله تهرب حرم رئيس تونس الهارب بطن ونصف الطن من الذهب الخالص، وهو قد شارف على الثمانين من عمره؟ ولماذا يمتلك امين الحزب الحاكم في مصر وحده اكثر من 40 مليار دولار ثروة قوامها عقارات ومتاجر واساطيل آليات، وكل ما يمكن ان يدر مالا؟ انه الطمع والجشع واستغلال واستعباد خلق الله، وقناعة هؤلاء وايمانهم بانهم هم وحدهم اهل ليتمرغوا في نعيم البلاد وليذهب الشعب الى الجحيم.
ولكن زمن الطغيان ولى الان، وها هي الشعوب المستكينة هبت لتطارد هؤلاء الظالمين، والتاريخ يكرر نفسه مرات ومرات، منذ فرعون ومرورا بنيرون والشاه وتشاوشيسكو وماركوس، ولكن الطغاة دائما لا يتعظون بالتاريخ ويقعون في نفس الاخطاء التي ارتكبها من سبقهم من شاكلتهم، حتى ان طاغية مصر لم يتعظ من سقوط زميله في تونس، وها هو يعيد نفس السيناريو الذي حدث هناك قبل اسابيع مضت وسط دهشة الجميع. ولكن هذه سنة الله في خلقه، ففي قصة فرعون وموسى وقارون، التي هي القصة الاكثر تكرارا في القرآن، في هذه القصة عبرة لمن يعتبر وآية من آيات الله تتكرر، ولكن كثيرا من الناس عن آياته غافلون . ففي كل مرة نرى فرعون زمانه وملأه يصرون على العناد وعدم الاستماع الى صيحات ومطالب المستضعفين الى ان تأتي لحظة الهلاك فيصيح قائلا: 'آمنت بالذي آمنت به بنو اسرائيل' او يردد في هستيريا مفقدة للوقار ومذهبة بهيبة الرئاسة: 'انا فهمتكم'. ولكن دائما ما يكون ذلك too late.
محمد احمد معاذ