الجزائر تتحصن خوفا من المظاهرات
رأي القدس
بدأت انظمة الحكم العربية، والدكتاتورية منها على وجه الخصوص، اتخاذ اجراءات اصلاحية لتحصين نفسها خوفا من حدوث انتفاضات شعبية على غرار تلك التي وقعت في تونس، وتتصاعد فعالياتها حاليا في القاهرة.
فبعد اعلان الرئيس اليمني عدم نيته الترشيح للرئاسة في الانتخابات المقبلة، واتخاذ العاهل الاردني قرارا بعزل رئيس الوزراء سمير الرفاعي وتعيين معروف البخيت مكانه، ها هو الرئيس الجزائري عبد العزيز بوتفليقة ينهي حالة الطوارئ في البلاد، وكلف رئاسة الوزراء بوضع النصوص القانونية التي تتيح للدولة مواصلة مكافحة الارهاب الذي من اجله اعلنت حالة الطوارئ عام 1992.
الرئيس بوتفليقة عايش فترة الحرب الاهلية في البلاد التي اندلعت بعد الغاء نتائج الانتخابات العامة التي فازت في دورتها الاولى التيارات الاسلامية باغلبية ساحقة، ولا بد انه يعرف خطورة تجدد المظاهرات والاحتجاجات الشعبية على الدولة والمجتمع الجزائري، وهذا ما يبرر مسارعته بتخفيض اسعار المواد الغذائية فور تفجر المظاهرات بالتزامن مع الثورة الشعبية التونسية، وها هو يقدم على الغاء حالة الطوارئ التي حكم البلاد بمقتضاها طوال السنوات العشرين الماضية تقريبا.
ما يميز الشعب الجزائري عن محيطه وجود استعداد قوي لديه للثورة، والتعبير عن مظالمه دون اي خوف مهما كانت العواقب، ولا بد ان الرئيس بوتفليقة يعرف هذه الحقيقة، فهو خبير بهذا الشعب، ليس لانه منه فقط، بل لانه كان من اصغر المجاهدين في الثورة الجزائرية التي دوخت الاستعمار الفرنسي واجبرته على الرحيل مهزوما من شدة صلابة مقاتليها.
الغاء حالة الطوارئ في الجزائر خطوة مهمة تستحق الترحيب دون اي شك، ولكنها تظل غير كافية في حد ذاتها، ولا بد ان تتبعها خطوات اخرى في الاتجاه نفسه. صحيح انها تزيل الحاجز النفسي بين الحاكم والمحكوم، على حد وصف الرابطة الجزائرية للدفاع عن حقوق الانسان، ولكن المطلب الشعبي في ديمقراطية تعددية حقيقية مازال بعيد المنال.
لا نعرف ما هي الخطوة التالية للرئيس الجزائري، فهو يبقي 'كروته' قريبة الى صدره، ويتعمد اسلوب المفاجأة، ولكن ما نستطيع استقراءه من خلال قراراته التي اتخذها في الفترة الاخيرة انه على درجة كبيرة من الوعي بخطورة عدم تجاوب نظامه مع المطالب الشعبية.
الحكومة الجزائرية ارتكبت اخطاء كبيرة في الماضي أدت الى استفزاز الشعب والقوى الحية فيه، ابرزها تعديل الدستور للسماح للرئيس الجزائري بالاستمرار في الحكم لولاية اخرى، وثانيها الجلوس فوق فوائض مالية تزيد عن 150 مليار دولار، بينما سوط الغلاء يلسع ظهر الشعب الجزائري الكادح.
الجزائر تملك شعباً حياً خلاقاً وثروات طبيعية هائلة، ويكفي انها جمعت بين 'الحسنيين' اي النفط والغاز، وهذه كلها عناصر كافية لكي تضعها في مقدمة الدول النامية اذا ما احسنت قيادتها توظيف العوائد النفطية بشكل ذكي وشفاف وقطعت دابر الفساد من جذوره.