الشعر وإعادة صياغة الحياة
- من يدلني إلى تعريف محدد للشعر...؟ والشعر هل يبقى فضاءً مغايراً يكسر المحددات ويتجاوز التعريفات..ومن أين له كل هذه القدرة على التماوج كلجة بحر، والتغاير كطبيعة تعيد خلق نفسها،كيما يبقى متجدداً يحمل السر الأكبر على السؤال والقول والمعنى؟
وأدونيس، منظر الشعرية العربية، لاتقف أطروحاته عند حد، ولا يستقر على رأي محدد، وهو العامل الأكثر شغلاً في منطقة الشعر، والصانع الأمهر لمعمارية النص الشعري العربي، منطلقاً من جذوره المنقبة في تواريخ الشعرية العربية، وكشوفاته التحليلية لتاريخانية الشعر العربي كونه بنية ثقافية مركوزة في الواقع العربي.
والشعر بلغة أدونيس:"لايُحيد، وهو في ذلك متحرك أبداً في أشكاله وطرق تعبيره، فضلاً عن رؤيته، فالقصيدة هي في آن سؤال مطروح على العالم وعلى الشعر نفسه".
يأخذ الشعر إذاً صيغة الأسئلة، لما يواجههُ، وبما يحقق هدفه الأسمى بإعادة صيغ رسم الحياة ومستواها الإنساني، ويبقى الشاعر على حد قول أدونيس:"هو الشخص الذي يستبق فيفكر بما لايفكربه غيره..والقصيدة، هي تغيير بوصفها مكاناً لتحويل اللغة..مكان عالٍ للحياة – تتغير فيه اللغة وتتغير الحياة في التفاعل بين اللغة وأشياء العالم وقضاياه".
والشعر هكذا يحقق خلافيته مع السائد، ذلك انه مسكون بروح التمرد، وهدم الواقع المعقلن حد الصنمية..لماذا..لتأتي الإجابة :"لايوجد الشعر إلا اختلافاً،ولكن دون إلغاء".
الشعر ضوء، والشاعر لايتجاوز الضوء، يستضئ به ويحاول أن يخلق إلى جانبه ضوءاً آخر..".
الغايات التي ينشدها صاحب (أغاني مهيار الدمشقي) للوصول إلى جوهر الشعر، تتعدد منابعها وطرق وصولها، ذلك إن بحثه المستمر والمضني لملامسة هذه التخوم، أوصله في أحد دروبه إلى"علم الخّفي".."عثرت مصادفة على كتاب النفري(المواقف والمخاطبات)، وكنت قد بدأت فعليا العمل على(ديوان الشعر العربي)..فكان الضوء الذي فاجأني حد الدهشة،والذي أزال الالتباس كلياً، وأقنعني إن سّر الشعر هو يتعذر تحديده"، من كتاب محاضرات الإسكندرية.
الشعر..هو الشعر، في أي شكل أتى إليك، وزناً أو نثراً..لافرق إلا في طاقته على الإشعاع، وفي مخزونه الخلاق..ذلك الذي سميته اللهب الذي لايخمد!
وكلنا يعلم مقدار الصوفية في فكر وعقل أدونيس..إذ تحولت هذه الفكرة إلى وشيجة ارتباط بالعالم وعالم الشاعر تحديداً، أي عالم الشاعر الذي يحاول النفاذ إليه، أو الكشف عنه من خلال تجربته الشعرية..لأن ثمة جانب خفي للوجود وهو أشبه بالكينونة بمعناها الهايدجري. هايدجر أيضاً رأى التجربة الشعرية الأصيلة واسطة تفوق كل ماعداها للنفاذ إلى الكينونة،لأنها الأكثر قابلية للتحرر من قيود النحو والمنطق والإتاحة لصاحبها، وبحسب هايدجر:"الإصغاء على نحو مباشرالى صوت الكينونة".وبهذا يكون الشعر" نوع من المعرفة الحدسية المباشرة"./الشعر والوجود- رضا الظاهر.
يقول ادونيس في كتابه الثابت والمتحول:"أن دور الشاعر هو في أن ينتج فعالية جمالية لايستوحيها من العادة السائدة بقوة الأيديولوجية السائدة، بل يستوحيها على العكس،من الطاقة الكامنة المقموعة، لكن القادرة على تغيير شروطها وإبداع شروط جديدة لحياة جديدة".
ولكن لنسأل مامعنى شروط حياة جديدة، ألا يتطلب العكس، أي أن عقلية المجتمع وإرادة أفراده ومجمل العلائق، تتطلب تغييراً يوازي على الأقل فعل الشاعر لإنتاج فعاليته الشعرية، ومن ثم نسج خيوط إبداعه، وبهذا يظهر حملة"الإبداع"لأنهم الأكثر قدرة على الانفلات من شروط الزمان والمكان من سواهم.
نصيرالشيخ