دور واشنطن وأنقرة في تقارب القوميتين الثانية والثالثة (1-2)
قوى سياسية تدرس مشروعا لمصالحة كردية تركمانية في العراق
أسامة مهدي من لندن
بدأ مشروع مصالحة بين الأكراد والتركمان في العراق يتبلور، لإنهاء خلافات طويلة حول قضايا تتعلق بمناطق متناوع عليها وحول علاقات تركيا والولايات المتحدة الأميركية بأكراد وتركمان العراق. ويبدو أن هذه المصالحة بدأت مع تقدم رئيس الجمهورية بطلب تعديل قانون يسمح بتعيين نائب له من التركمان.
علمت "أيلاف" أن قوى كردية وتركمانية عراقية تدرس حاليا مشروع مصالحة بين القوميتين الثانية والثالثة في البلاد لإنهاء خلافات ونزاعات بينها حول قضايا تتعلق بمدينة كركوك والمناطق الأخرى المتنازع عليها، وحول علاقات تركيا والولايات المتحدة بأكراد وتركمان العراق وتأثيراتها على إنجاز هذه المصالحة التي بدأت عمليا بدعم رئيس الجمهورية جلال طالباني ورئيس إقليم كردستان مسعود بارزاني لتولي ممثل عن التركمان منصب نائب رئيس الجمهورية وهو ما يتوقع أن يصادق عليه البرلمان قريباً.
فشل التركمان في التعريف بقضيتهم
أشار مصدر عراقي مطلع تحدث مع "إيلاف" الى ان الإدارة الأميركية قد ارتكبت العديد من الأخطاء عند احتلال العراق عام 2003، ومنها تجاهل التركمان القومية الثالثة في البلاد وهو ما أكده العقيد وليم مايفل المسؤول العسكري الأميركي السابق في مدينة كركوك الشمالية الغنية بالنفط والمتنازع عليها. وقال انه لا يمكن لوم الإدارة الاميركية لتجاهل التركمان بل يجب تحميل سياسيي هذا المكون الثالث في البلاد بعد العرب والأكراد من الذين شاركوا في العملية السياسية قبل سقوط النظام العراقي السابق مسؤولية هذا التجاهل.
يقول أحد الضباط الأميركيين في كركوك في هذا الصدد "عندما دخلت قواتنا الى كركوك وجدنا أناسا آخرين يتكلمون غير اللغتين الكردية والعربية وعندما سألناهم من أنتم قالوا لنا نحن التركمان، وكانت هذه أول مرة نسمع فيها عن التركمان في العراق". لكن التركمان بدأوا بالتقرب بشكل متأخر من الإدارة الاميركية بعد سقوط النظام السابق، لأن الأميركيين لم يدخلوا التركمان في حساباتهم الأولية. وأوضح ان الإدارة الاميركية أيقنت بعد إتصالات تركمانية معها وبعد زيارة رئيس الجبهة التركمانية سعد الدين اركج الى واشنطن عام 2007 بأن التركمان عنصر أساسي لا يمكن تجاهله ولهم دور فاعل في استقرار العراق نتيجة تحالفاتهم الداخلية وعلاقاتهم الخارجية وخاصة مع تركيا.
ويرى المصدر ان الإنسحاب الأميركي التدريجي من العراق وزيادة النفوذ التركي في المنطقة، أثار حفيظة القيادات الكردية مما أدى إلى اهتمامهم بالتركمان ومحاولة كسبهم الى جانبهم كخطوة أولى لإجراء الإستفتاء حول كركوك ومن ثم ضمها الى إقليم كردستان كما يطالب الأكراد. وهو اهتمام يترافق مع ظهور مشروع أميركي للمصالحة بين التركمان والأكراد الذين عاشوا معا على أرض العراق وعلى مدى قرون طويلة في سلام، تربطهم علاقات تاريخية واجتماعية وثقافية واقتصادية ومصالح مشتركة بالإضافة الى علاقات الزواج والقرابة، ولم تحدث أي خلافات جذرية بين الشعبين الكردي والتركماني برغم محاولة بعض الاطراف تقويض العلاقات بين الجانبين.
الجوار والخلافات الكردية التركمانية
أشار المصدر الى انه "لا تزال هناك بعض المسائل التي تشكل عائقا أمام فتح باب الحوار بين الأحزاب التركمانية الكردية، ويجب ايجاد الحلول المرضية لحلها مع عدم تجاهل دور بعض دول الجوار في اثارة مواضيع الخلاف بين الجانبين" وضرورة الحد منها. وقال ان فكرة المصالحة بين التركمان والأكراد موجودة وقد تم عرض مشروعها على السياسيين التركمان، سواء داخل العراق أو خارجه وهي في طور الدراسة حاليا. ويؤكد على ضرورة دراسة طبيعة العلاقات بين التركمان والأكراد ومستقبل مدينة كركوك وإزالة قضية التجاوزات على الأراضي فيها. وقال ان لدى التركمان موقف إيجابي من الجلوس الى طاولة المفاوضات تحت اشراف الولايات المتحدة لمناقشة مسألة الحوار والمصالحة مع الاكراد وحل معظم المشاكل في شمال العراق.
ويوضح المصدر ان الصراع القومي بين الاكراد والتركمان مفتعل أوجدته بعض الدول التي لها مصالح عامة في العراق ومصالح خاصة في أقليم كردستان، ولذلك فإن مشروع المصالحة الكردية التركمانية يحتاج الى تحريك وتقديم تنازلات من الجانبين والاعتراف بالآخر سياسيا وقوميا وعدم تهميشه.
ويؤكد المصدر أنه مع تأييد القوى الكردية وخاصة الرئيس جلال طالباني ورئيس اقليم كردستان مسعود بارزاني لحقوق التركمان وتعيين أحد شخصياتهم نائبا رابعا لرئيس الجمهورية فإنه يجب الأخذ بمفهوم "التدرج السريع" في مشروع المصالحة الكردية التركمانية، أما في قضية كركوك فإنها تحتاج الى معالجات وتشريعات خاصة تخدم سكانها وتصحح المخالفات التي حدثت في الماضي واٍشراك الامم المتحدة في هذا الحل.
وقال المصدر ان هذه الايام تشهد خطوات خجولة متأخرة من قبل السياسيين لكنها جديرة بالإهتمام، كونها جاءت في وقت حرج وصلت فيها الأمور الى عنق الزجاجة، وهي خطوات تحاول لملمة وحدة مكونات الشعب العراقي وإشراكها بفاعلية في القرار بما فيها التركمان.
وحول ما يقوله البعض من التركمان من ان المصالحة يجب أن لا تكون على حساب دماء الضحايا من التركمان وحقوقهم، قال المصدر ان هذا كلام صحيح جدا وان الدعوة للمصالحة لا تعني التخلي عن الحقوق بل ان أول مبادئ مشروع المصالحة هو أن يأخذ كل ذي حق حقه مهما كانت الأسباب أو المبررات ولكن يجب ان تتم موازنة الأمور بعقلانية من قبل كل الأطراف وقراءة الواقع التركماني بكل دقة قبل اتخاذ اي قرار خطير يمس قضاياهم، وان مثل هذا القرار متوقع ولكن توقيته مؤجل في الوقت الراهن على الاقل.
تراجع الدعم التركي للتركمان
أما حول ما يتعلق بتراجع الموقف التركي في دعم التركمان فأشار المصدر الى ان أنقرة لم تتدخل بصورة فعلية في حماية التركمان العراقيين منذ إنشاء الدولة العراقية، أما في العصر الحديث فبعد أن تأسست الجبهة التركمانية العراقية عام 1995 بدأت منظمات المجتمع المدني التركية بمساعدة التركمان، كما ظهرت مساعدة الحكومة التركية أيضا وكانت هذه ضمن ملف مساعدة جميع مكونات الشعب العراقي.
لكن المصدر أوضح ان الموقف التركي من التركمان قد بدأ بالتراجع عام 2007 بسبب السياسات الخاطئة التي أتبعتها بعض الأحزاب التركمانية وخاصة عند الإنتخابات العراقية عام 2005 وعدم وحدة الموقف التركماني والإستراتيجية المشتركة بين الأحزاب التركمانية، اضافة الى انشغال الساسة التركمان في محاربة وإتهام بعضهم البعض وتقلص حجم الجبهة التركمانية العراقية بعد أن انفصلت بعض مكوناتها عنها.
واضاف ان تركيا حاولت توحيد الصف التركماني من جديد وذلك بدعوة النواب التركمان ورؤساء الاحزاب التركمانية الى تركيا لحل المشاكل العالقة بينهم ولكن التنافر والخلافات الشخصية الموجودة بينهم أفشلت هذه المحاولة اضافة الى تدخل بعض التركمان الموجودين في تركيا في القضية التركمانية ومحاولة تسييرها وفق أجندات خاصة يضاف الى ذلك فشل الاحزاب التركمانية في تثقيف المواطنين سياسيا.
دوافع تقارب انقرة مع اكراد العراق
قال المصدر ان من الأسباب الأخرى من الجانب التركي هو وجود الحزب العمالي الكردي في تركيا، والذي يشكل خطرا كبيرا على الأمن التركي مما حدا بالأتراك الى التقرب من حكومة إقليم كردستان لغرض الإتفاق للحد من حركات وعمليات هذا الحزب وطبعا فقد دفع التركمان ثمن هذا التقارب. وكذلك ازدياد نشاطات الاحزاب الكردية في تركيا والمطالبة بحقوقها القومية وفي مقدمتها الحكم الذاتي أو تطبيق نظام الفيدرالية في تركيا والتي أوجدت نوعا من البلبلة وعدم الاستقرار في جنوب شرق تركيا مما حفز تركيا الى تقديم بعض التعويضات لإرضاء حكومة الاقليم ودفعها لدور في اسكات هذه الاحزاب.
ويضيف المصدر الى ذلك توتر الحالة الاقتصادية في تركيا وزيادة نسبة البطالة وخاصة في المناطق الكردية وفتح حكومة الإقليم مجال العمل للشركات التركية للعمل في اقليم كردستان حيث يقدر عدد الشركات التركية العاملة هناك حاليا حوالي 3200 شركة. ثم فتح المجال لأكثر من 25 ألفا من أكراد تركيا للعمل في اقليم كردستان.
ويشير المصدر الى ان تركيا يبدو انها قد ايقنت بعدم إمكانية الاكراد من إلحاق كركوك بإقليمهم الشمالي لأن قضيتها أصبحت دولية ولذلك فقد بدأت بالتوجه الى الاقليم لحماية مصالحها الاقتصادية والسياسية. كما ان تركيا أدركت بأن التمسك بالملف التركماني سيجعلها تخسر الكثير في العراق وخاصة في الاقليم الكردي الذي يرى معظم المحللين أن عاصمته أربيل ستصبح مركزا للمشاريع الاقتصادية والعمرانية.
ويقول المصدر انه اضافة لكل ذلك فأن تركيا تحاول وضع جل امكانياتها في الحصول على عضوية الاتحاد الاوروبي الذي يطالبها بالمقابل باجراء اصلاحات وتطبيق شروط الاتحاد القاسية في بعض الاحيان ومنها حقوق الانسان وحق التعبير الذي يقصد منه بالدرجة الاساس اكراد تركيا وهذه المطاليب الأوربية إزدادت وتيرتها بعد عام 2003 خصوصا بعد سيطرة أكراد العراق على قنوات الدبلوماسية العراقية والتي وظفوها بطبيعة الحال لحشد الضغط الأوربي على تركيا وهذا بطبيعة الحال كان رد فعلها سلبيا على الموقف من تأييد التركمان.