'الشروق' تكشف كواليس تجارة تصدير واستيراد 'المانكا' في الجزائر
رجال يتاجرون بأجسادهم وعقود تجبر عارضات الأزياء على التعري
روبرتاج:زين العابدين جبارة
*جزرة وحبة طماطم وجبة اليوم..والتقيؤ لمن أكل حتى التشبع
كريم، آمندا، سكندر، ليلى، نشاد ولامية..جزائريون وجزائريات غيّروا الكثير من ملامحهم وحتى أسمائهم، بهدف أن يفتكوا مكان لهم تحت الأضواء وفوق 'البوديوم أو منصة الأحلام' ، التي كانت وإلى وقت قريب طابوه من طابوهات المجتمع الذي يُحظر حتى الحديث عنها..مهنة 'عرض الأزياء' أصبحت تجتذب الكثير من الشباب الجزائري إناثا وذكورا بصورة ملفتة للأنظار، حتى استحدثت تصنيفات و مراتب تُميّز كل عارض عن آخر، فمنهم من هو موجه للاستهلاك المحلي و شباب آخرون يتم تصديرهم إلى القارة الأوربية، بعد استو فاءهم لكامل الشروط والمعايير العالمية لعارضي الأزياء المثالي، بينما يستورد بعض المنظمون عارضي أزياء من المشرق العربي ليصنعوا منهم نجوما في الجزائر.
مليون سنتيم.. أجرة ربع ساعة من 'الترنح' فقط !
إبحارنا في عالم 'عارضي الأزياء' تركنا نضيف إلى دافع الشهرة والنجومية التي يحلم بها كل عارض أزياء سببا آخر..هو المال والربح السريع، حيث تقول ليلى 23 سنة عارضة أزياء منذ أكثر من 5 سنوات: " بالطبع هي مهنة مربحة ولكن هذا الربح لم يكن دون مقابل..نتعب كثيرا في التمارين والرياضة..نضحي بالكثير من العادات الغذائية و الهوايات اليومية من أجل الحفاظ على لياقتنا..صحيح تتجاوز أجرتنا عن عرض لا يتجاوز ربع ساعة 10 آلاف دينار جزائري ، إلا أن ذلك العرض البسيط في 15 دقيقة كلفنا أيام من التحضير و قائمة من الممنوعات التي لا تنتهي".
وإن كانت 'ليلى' راضية عن ما تتقضاه في الليلة الواحدة، فإن 'فؤاد' 25 سنة عارض أزياء منذ ستة سنوات قال أن أجرته كعارض أزياء لا تغطي حاجياته اليومية مؤكدا أن التمييز بين عارض الأزياء الذكر وعارضة الأزياء المرأة يظهر جليا خاصة في قيمة الأجرة التي يتقاضاه كل واحد منا عن ذات العرض فمثلا أنا لا تتجاوز منحتي عن العرض الواحد 5000 دج في حين تتقاضى عارضة الأزياء المرافقة لي ضعف ما أتقاضاه..!
وأخبرنا 'فؤاد' أن هذا الأمر هو ما دفعه للتعاقد مع ورشة خياطة، تمنحه أجرة شهرية بصفة تلقائية إن قام بعرض أزياء أو لم يقم بعرض خلال ذاك الشهر، فضلا عن منحة العرض الذي لا يتجاوز 4 ساعات في العادة، بينما تتراوح المنحة المالية عن هذا العرض المقتضب مابين 5 آلاف دينار و 10 آلاف دينار جزائري حسب عدد الحضور و أهمية العرض.
تصدير 'الحسناوات' إلى أوربا..واستيراد أخريات من المشرق
و إن كان التمييز واضح بين العارض والعارضة، فإن الاختلاف بين عارضة الدرجة الأولى وعارضة من الدرجة الثالثة هو أوضح..فمنظمو عروض الأزياء يصنفون عارضات الأزياء إلى درجات مختلفة، تحددها مواصفات العارضة بدءا بشكلها الخارجي و وصولا إلى ثقافتها و مستواها التعليمي، ووفق هذا التصنيف يتم معاملة العارضة و تحديد أجرتها..و الظاهرة الأغرب أن هناك عارضات يُعرفن بالحسناوات، وهنا خارج التصنيف العادي للعارضات يتم إرسالهم للقارة الأوربية قصد الاستفادة من تربصات عالية المستوى، ومن ثم تعاقدهن مع كبرى الماركات العالمية المتخصصة في الأزياء، للقيام بعروض أزياء ذات شهرة عالمية في عدد من نقاط دول العالم؛ وهو الحال مع العارضة 'لامية.س' 24 سنة خريجة معهد الإعلام والاتصال، إلا أنها اختارت مهنة مغايرة بالتحاقها بعالم 'عرض الأزياء' قبل أن تتم عامها السادس عشر، واستطاعت 'لامية' أن توفق في تقديم عروض مع مصممي أزياء وخياطين معروفين على المستوى الوطني ودراستها، لتقرر مغادرة الجزائر باتجاه فرنسا بعد تحصلها على شهادة الليسانس، خاصة وأن الأوربيون يشترطون مستوى تعليمي وثقافي لا بأس به للإنظمام لقافلة عارضي الأزياء، و بأجرة شهرية تتجاوز 3 آلاف أورو.
وبالمقابل يعمل بعض منظمو عروض الأزياء في الجزائر على استيراد شباب وفتيات من المشرق العربي، ليصنعوا منهم نجوما في الجزائر كأحمد من سوريا أو كما يلقبه زملائه 'أحمد الشامي' 26 سنة، التحق بفرقة لعارضي الأزياء بالجزائر بعد أن عرض عليه مصمم جزائري أن يلتحق بأعضاء فرقته، حتى يُحدث نوعا من التميّز وخلق التنوع في تشكيلة عارضيه ، والملفت للانتباه أن عارضي الأزياء من جنسيات أجنبية يلقوّن اهتماما أكبر مقارنة بالعارضين المحليين سواء من قبل الجمهور أو حتى منظمي 'عروض الأزياء' فأجرة 'أحمد الشامي' ضعف ما يتقاضاه العارض المحلي.
كريم..لم يجد النجومية في كرة القدم فبحث عنها كعارض أزياء
'محمد أمين.ح' أو كريم ـ اسم الشهرة على حد تعبيره ـ من مواليد 1985 كان حلمه و لا يزال أن يخطف أضواء الشهرة وان يكون محط الأنظار..مارس كرة القدم و تمكن من أن يكون حارس مرمى في فريق محلي، بيد أن الرياضة لم تكن إلا هواية لم تصله إلى الطموح المنشود، ليقرر أن يعتلي منصة عارضي الأزياء، عسى أن تكون الطريق إلى النجومية التي لم يظفر بها في الميادين الخضراء..كريم غادر مقاعد الدراسة بعد فشله في امتحانات السنة الثانية ثانوي متوجها نحو الحياة المهنية كمحاسب في إدارة مستشفى بالعاصمة، كما انتهز أول فرصة عرضت عليه للقيام بعرض أزياء حيث يقول كريم:" منذ أن كنت مراهق و الجميع يقول لي لماذا لا تدخل عالم عرض الأزياء فقامتك وشكلك يليق جدا بهذه المهنة..لم أأخذ هذا الكلام محمل الجد إلى أن اقترح عليّ حلاق معروف في العاصمة أن أرافق بعض العارضات في عرض أزياء ستقيمه إحدى ورشات خياطة الملابس" و بعد أول عرض لكريم تهافت عليه مسيري ورشات الخياطة للقيام بعروض أخرى ومن ثم وسّع كريم شبكة علاقاته في هذا المجال، إلا أن حياته اليومية تغيّرت بشكل كبير حيث تخلى عن الكثير من العادات الغذائية، و طريقة معيشته إذ ألغى عادة السهر التي كان يمارسها منذ مدة طويلة، وحذف من قائمة وجباته الغذائية كل ماله علاقة بالمعجنات والزيوت والدسم والمكسرات والحلويات، و استعجبنا من تناول كريم لسيجارة وهو يحدثنا رغم أنه ينتمي لفئة الرياضيين، فضلا عن اعتنائه المستمر بمظهره إلا أنه أجابنا وببساطة: "السيجارة هي عبارة عن إكسسوار إضافي لعارض الأزياء..هي جزء من البرستيج الخارجي" ليضيف أن العديد من عارضات الأزياء يتناولن السيجارة حتى أنه أصبح الخمر شيئا عادي بل هو مكمل إضافي".
وقال كريم عن ردة فعل أهله عندما أخبرهم أحد الجيران بالتحاق ابنهم بفرقة لعروض الأزياء ، و رفض والده الفكرة بشكل قطعي وطلب منه التوقف "كان ثالث عرض أزياء أقوم به و لم يكن أبي يعلم بعملي الجديد بعد..أخبره أحد أبناء الحي ورفض فكرة أن يكون ابنه عارض أزياء باعتبار أنها مهنة نسوية وليست رجالية..طلب مني أن أتوقف عن مزاولة مهنة عارض الأزياء لكنني رفضت و أخبرته أنه اختياري الذي لا رجعة فيه فطردني من البيت..تدبّرت أمري بالمبيت عند بعض أصدقائي وبعض الأقارب وأبقيت الاتصال مع والدتي التي أقنعت والدي بعد مدة واقترح علي الرجوع إلى البيت" ليعلق كريم على موقف والده بأنه طبيعي لأنه عاش في زمن غير زماننا والأمور تغيّرت ويجب أن نتماشى معها.
عارض أزياء يصرف مليونين سنتيم على المستحضرات التجميلية شهريا..
و رغم القيمة المعتبرة للمنحة والأجرة التي يتقاضها 'كريم' ، إلا أنه يصرف كل ما يجنيه على مظهره وهيئته حيث يقول" أهم شيء بالنسبة لي هو مظهري الخارجي..يجب أن أكون يوميا أنيق ابتداء من التحليقة التي أغيّرها يوميا إلى ملابسي وهندامي..إلى عطري ومختلف الإكسسوارات التي يجب أن أقتنيها بشكل مستمر لأتماشى مع الموضة.." وبرر كريم هذا الاعتناء الفائق بمظهره بقوله: "طبيعة مهنتي تتطلب ذلك..فيمكن في أي لحظة أن ألتقي بمدير دار أزياء ومنظم حفلات وانطلاقا من انطباعه الأول علي يمكن أن نعقد اتفاق عمل..هكذا يجب اقتناص الفرص"، و أضاف كريم أنه كان يشتري شهريا ما قيمته 19 ألف دج من مستحضرات التجميل وكريمات الوجه والزيوت المكونة من مستخلصات الأعشاب قصد الحفاظ على بشرته و نضارتها، إلا أن كريم أكد لنا أنه توقف عن استعمال هذه المستحضرات التجميلية، لأنها كلها مغشوشة ولا تضيف له أي شيء إضافي،إلا تبذير الأموال في حين نفى أن يكون قد خضع إلى عملية تجميلية، بينما أقر لنا حقيقة ارتدائه لعدسات لاصقة عند القيام بالعرض مبررا ذلك" هي ضرورة العرض وان طلب منك المشرف على العرض ارتداء عدسات لاصقة فيجب أن ترتديها مهما كان لونها دون أي نقاش، فهو أدرى بما يليق بك وما يظهر جمالية الأزياء أكثر" و تخضع عشرات العارضات إلى عمليات تجميلية قصد تعديل شكل الوجه والقوام حيث تؤكد ليلى أنها قامت بعملية تجميل بسيطة واحدة " أنا واثقة من جمالي..ولكن عدلت في أنفي قليلا لأنه كان غير متلائم مع شكلي وجهي..كان تعديلا طفيفا حتى يبدو وجهي متناسقا أكثر وفقط".
النظام الغذائي: جزرة و فاكهة في اليوم..وقائمة الممنوعات لا تنتهي
و يتحدث كريم عن بكثير من التألم والتأسف عن' قائمة الممنوعات'، التي تعتبر الشبح الذي يؤرق كل عارض أزياء بقوله : " عارض الأزياء يجب أن يدفع ضريبة غالية من اجل أن ينجح..أنا مستعد أن أتخلى عن نصف وزني و أن أصل إلى أقل من 50 كلغ إذا تطلب الأمر ذلك..حقيقة أنني احرم نفسي من أشياء كثيرة كنت أحبها وأمتنع عن تناول أكلات كنت أعشقها.. مثل الكسكسي (طعام العجوز) و البيتزا و 'القرنطيطا' والمشروبات الغازية وغيرها..كما هناك ممنوعات أخرى كالمشط الذي يجب أن لا يلامس الشعر..إلا أن كل شيء يهون من أجل أن أتميّز في مهنتي".
في حين اعتبرت ليلى أن تعذيب النفس وتجويعها لا يخدم عارض الأزياء فإن هو ظفر بالقوام المثالي يكون قد خسر لذة الحياة وأحبط معنوياته و تقول ليلى أنها تتناول ما تشتهيه من أكلات وإن كانت دسمة ولكن دون إفراط مع مراقبة شبه يومية للوزن وفي حال تجاوزت الخط الأحمر أو عتبة الوزن الغير مسموح به تخضع نفسها لحمية مكثفة لمدة أسبوع أو أسبوعين تفقد فيها من كيلو غراما إلى عشر كيلوغرامات حسبما الحاجة.
وعن هذه الحمية قالت ليلى" إن أردت أن أفقد 5 كيلوغرامات في أسبوع فيجب أن لا أتناول إلا حساء من الخضروات و جزرة أو ثمرة فاكهة طيلة اليوم في حين يمكن أن أتناول كأس حليب عوض الجزرة في الغد وهكذا دواليك إلى أن أكمل الأسبوع".
عقد'مصممي الأزياء' يورط الفتيات ويوجب عليهن ارتداء ملابس خليعة
وأكدت لنا ليلى أنها لا تحبذ التعاقد مع أي جهة وإنما تفضل العمل بـ'العرض الواحد'، حتى لا تلتزم ببنود العقد وإن كان ذلك يحميها قانونيا، ويضمن لها حقوقها بيد أن العقد وإن بدا إيجابيا ، فإنه يخفي في طياته الكثير من المشاكل والأزمات للعارضين والعارضات، حيث تؤكد ليلى" جلّ العارضات كنا ضحية سذاجتهن وإمضاءهن على عقد العمل دون التمعن في بنوده فهناك بنود تلزم على العارضة أو العارض ارتداء أي نوع من الملابس مهما كان فاضحا أو خليعا و توجب عليك ارتداء ملابس داخلية إن كان العرض مخصصا للترويج لها..أن أحب عرض الأزياء لأنها مهنة كنت أهواها من صغري بل هي أكثر من مهنة..هي هواية وحلم ولكن لا أرضى أن أصنع هذا الحلم على حساب شرفي..هناك فتيات مضين عقد عمل مع مصممين حتى يعرضن أزياء تقليدية ليتفاجئن بأنفسهن مجرد عاهرات في علب ليلة لسبب بسيط أنهن يجهلن القراءة أو لم يتمعن في قراءة العقد وتسرعن في ذلك".
هكذا هو واقع 'عارضي الأزياء' بين المرحب والرافض لهذه المهنة التي يلقبونها بالمهنة الأوربية الوافدة مع الفضائيات..إلا أن هؤلاء العارضين يتحدوّن اليوم كل من يصف هذه المهنة بالطابوه ..بينما يبقى التحدي الأكبر الذي يؤرق كل عارض هو 'المستقبل' فبعد أن تشيخ الملامح تكون مدة صلاحيته قد انتهت...ويُحالون على التقاعد المبكر بتهمة البشاعة والعجز عن تقديم العرض على أكمل وجه.