الباكستانيون ينتقدون التحرر الإعلامي ويقبلون على متابعة الفضائيات التجارية
أكثر من 40 قناة تجذب الملايين خلف شاشاتها في أوقات الذروة
تظهر استطلاعات الرأي انتقاد معظم الباكستانيين لما يبث على الفضائيات ومع ذلك يقبلون على مشاهدة ما يعرض على هذه القنوات (أ.ب)
إسلام آباد: عمر فاروق
أظهر استطلاع رأي عام أجرته مؤخرا «غالوب باكستان»، وهي شركة خاصة متخصصة في إجراء استطلاعات الرأي، أن ثلثي الباكستانيين (نحو 66 في المائة) يرون أن نسبة الأشياء المخلة بالآداب المعروضة على شاشات التلفزيون قد ارتفعت. وأظهر نفس الاستطلاع أن 42 في المائة قالوا إنهم في بعض الأحيان يشعرون بأن برامج معينة لا يمكن لجميع أفراد العائلة مشاهدتها بسبب محتواها.
ولكن لا تزال شعبية القنوات التلفزيونية الباكستانية الخاصة مرتفعة جدا، كما أن مسلسلا دراميا يعرض في وقت الذروة على جميع القنوات التلفزيونية الخاصة، التي يبلغ عددها أكثر من 40 قناة، يجذب جميع أفراد الأسر بمختلف أنحاء باكستان.
وعلى الرغم مما يبدو من تناقض بين هذين الأمرين، فإنهما لا يتعارضان مع بعضهما البعض. ويوجد شعور متزايد بعدم الراحة داخل المجتمع الباكستاني بسبب المفاهيم الأخلاقية التحررية المعروضة على شاشات التلفزيون الباكستاني، وفي نفس الوقت يرتبط عدد كبير من المواطنين الباكستانيين بشاشات القنوات التلفزيونية المتهمة بأشياء مخلة أخلاقيا.
ووصف محمد قدير، وهو عالم اجتماع باكستاني يدرس في جامعة كوينز بكندا، مزيج التناقض داخل المجتمع الباكستاني على النحو التالي في كتابه «باكستان: تحول ثقافي واجتماعي لمجتمع مسلم» قائلا: «على مدار قرابة ستة عقود من الاستقلال، تطور (المجتمع الباكستاني) من منظومة اجتماعية متناغمة تحكمها عادات إلى مجتمع مادي متحرك مقسم. وخلال ذلك، انقسمت المؤسسات الاجتماعية وتغيرت المنظومة الأخلاقية. وترك الإجماع الاجتماعي بشأن القيم والعادات مساحة لأخلاقيات متناقضة».
وكانت النتيجة هي مجتمع يستمتع بالمناخ الحر الذي تعيشه قنوات تلفزيونية باكستانية، وفي نفس الوقت يشجب ذلك. ويستمتع الكثير من الشعب الباكستاني بالمسلسلات التلفزيونية الباكستانية (التي تناقش عادة علاقات خارج نطاق العلاقات الزوجية) وتعد العوائد المتزايدة لهذه القنوات مؤشرا واضحا على أن عدد المشاهدين في تزايد. ووفقا لما أفاد به أحد التقديرات، فإن عدد المشاهدين في وقت الذروة لهذه القنوات يبلغ أكثر من مليون شخص. وعلى الجانب الآخر، فإنه خلال الأعوام العشرة الماضية، قدم عدد كبير من الالتماسات إلى محاكم عليا داخل باكستان من مواطنين عاديين يطلبون من المحاكم اتخاذ الإجراءات اللازمة ضد القنوات التلفزيونية التي تنشر الفحش باسم الفن والثقافة.
ويعتقد معظم خبراء الإعلام أن المنافسة بين قنوات تلفزيونية مختلفة من أجل عرض أفكار مبتكرة حول أعمالهم الدرامية، التي تحظى بشعبية كبيرة بين المشاهدين الباكستانيين، دفعت القنوات التلفزيونية إلى تخطي أشياء محظورة، وتقديم أفكار ظلت لوقت طويل محظورة داخل الشريحة المحافظة من المجتمع الباكستاني.
وبدأ البث التلفزيوني داخل باكستان عام 1964. وفي ذلك الوقت كان «التلفزيون الباكستاني» - المملوك للدولة – القناة التلفزيونية الوحيدة المتاحة أمام المشاهدين لساعات قليلة يوميا، حيث كان البث من المساء حتى منتصف الليل. وظهر كقناة تخضع لسيطرة الدولة، وما زالت حتى اليوم مؤسسة تابعة للدولة، حيث تقوم الحكومة الباكستانية بتعيين مجلس أمناء القناة وتتحكم في شؤونها.
وكانت الأعمال التلفزيونية الباكستانية خلال الستينات من القرن الماضي حتى منتصف التسعينات شيئا جديدا على المجتمع الذي يتحدث بلغة الأوردو داخل باكستان وفي مختلف أنحاء العالم. ويقول شهريار رشيد، وهو مدون باكستاني: «كان ذلك وقت ازدهار المسرح داخل باكستان، وكانت لدينا أعمال درامية مسرحية حققت رقما قياسيا في أطول أعرض مسرحي».
ويقول شهريار: «كل هذه الأعمال الدرامية الكلاسيكية أنتجها وأذاعها التلفزيون الباكستاني المملوك للدولة. ومع تدفق وسائل الإعلام الأجنبية والتأثيرات الخارجية، تدهورت الأعمال الدرامية التلفزيونية من ناحية الجودة».
ومع قدوم القنوات التلفزيونية الخاصة إلى باكستان في مطلع 2002، شهدت القطاع الترفيهي داخل باكستاني تغيرا جذريا. ويقول شهريار: «في الثمانينات والتسعينات، كانت القنوات التلفزيونية المملوكة للدولة تبث دراما تلفزيونية واحدة بصورة أسبوعية، وكانت تعرض أفكارا أخلاقية محافظة جدا عليها». ويقول خبير إعلامي: «في الوقت الحالي تبث كل قناة تلفزيونية ثلاثة أعمال درامية يوميا، علما بأن هناك 40 قناة تلفزيونية داخل باكستان».
ويضيف خبير إعلامي: «يؤدي ذلك إلى مقدار كبير من المنافسة، كما يدفع منتجي الأعمال الدرامية إلى تقديم شيء جديد». والنتيجة هي مناخ تقدم فيه المسلسلات الدرامية علاقات عادية بين الناس عرضة للفشل.
ويقول منتج أعمال درامية على علاقة بقناة تلفزيونية خاصة، شريطة عدم ذكر اسمه: «الوضع حاليا هو أن الأعمال الدرامية التي تبثها القنوات التلفزيونية الباكستانية تحظى بشعبية كبيرة بين المواطنين، ومن يشك في ذلك عليه النظر في سجلات العوائد الخاصة بالقنوات التلفزيونية الباكستانية».
ولكن، لا يمكن للقنوات تحمل تجاهل كل الصخب الذي يثيره المجتمع بشأن الفحش المتضمن في هذه الأعمال. ولذا يقابلون هذه المزاعم من خلال بث برامج دينية بصورة منتظمة. ويقول خبير إعلامي: «تخصص كل قناة على الأقل 10 في المائة من وقتها للبرامج الدينية. ويهدف ذلك بصورة جزئية إلى كسب الشرعية ومواجهة اعتراضات المجموعات الدينية، والتي تزعم أن القنوات تنشر الفحش والأشياء المخلة بالآداب».
ولا يعني ذلك أن الأعمال الدرامية التلفزيونية وغيرها من أشكال الترفيه ليس لها قيمة ثقافية. ويشير خبير إعلامي إلى أن «الأعمال الدرامية الباكستانية والمقاطع المصورة التي تقدم تعد عنصرا هاما لاتجاهات الموضة داخل المجتمع الباكستاني».
وقامت جميع القنوات الخاصة تقريبا في الوقت الحالي بتعيين ممثلين كوميديان مشهورين لاستضافة برامج حوارية على قنواتهم. وعلى سبيل المثال، يستضيف الممثل الكوميدي الشهير عمر شريف برنامجا حواريا أسبوعيا على «جيو تيليفجين». ويرجع جزء من هذا الاتجاه إلى تقديم برامج كوميدية للجمهور إلى المناخ السياسي الذي يسيطر عليه السخرية السياسية والذي بدأ يشيع بين المواطنين الباكستانيين. وأشهر برنامج للسخرية السياسية هو برنامج «جميعنا نتوقع ذلك» ويعرض هذا البرنامج رسوما كاريكاتيرية للقيادة السياسية وفي بعض الأحيان القيادة العسكرية. ويقول خبير إعلامي: «من الأسباب الهامة التي تقف وراء شعبية البرامج الترفيهية على القنوات الخاصة هي هذه البرامج الكوميدية».
وحتى الآن، لا تزال البرامج التلفزيونية ذات الشعبية الأكبر داخل باكستان هي البرامج الحوارية الدينية التي تمثل ركيزة أساسية داخل كافة القنوات التلفزيونية في باكستان. وعلى الرغم من بساطة القالب الذي تقدم عبره البرامج الدينية على التلفزيون المملوك للدولة، فإن البرامج الدينية شهدت حاليا نوعا من التغيير. وعلى سبيل المثال، يظهر في هذه البرامج مضيفون حليقو اللحية معهم أجهزة كومبيوتر محمول ويوجد أمامهم تليفون. ويمكن لمن يرغبون المشاركة عبر البريد الإلكتروني أو بالاتصال هاتفيا، وتتنوع الأسئلة ما بين أسئلة حول شعائر عادية مثل هل يمكن العبور أمام شخص يصلي؟ وصولا إلى صحة النكاح ممن يتزين بالذهب أو حقوق التي يجب على الرجل تأديتها لزوجته السابقة.
ويقول خبير إعلامي: «يقدم التلفزيون الباكستاني في الوقت الحالي حزمة شاملة، ويضم الكوميديا والدراما والرومانسية والموسيقى، وبالطبع البرامج الأكثر شعبية هي المتعلقة بقضايا دينية». ويقول مدير تسويق قناة تلفزيونية شهيرة: «يختلف ما يحبه الناس، فهناك أشخاص مهتمون بالبرامج الدينية فيما يهتم آخرون بالأعمال الدرامية التاريخية، ولذا نجد أمامنا مزيجا من هذه الأشياء».
ولكن يرى معظم الخبراء في الإعلام نظرة المواطنين إلى «الأشياء المخلة بالآداب» على شاشات التلفزيون تحديا كبيرا أمام القنوات الخاصة. وتوجد مؤشرات على أن هذا التصور سيتنامى خلال الأيام المقبلة. وعلى الرغم من ذلك يقول خبراء إعلاميون إنه من غير المحتمل أن تتراجع القيمة الترفيهية للبرامج التي تبثها القنوات التلفزيونية الباكستانية.