إدارات المدارس: "مشاغبة مراهقات" و"المواعدة والقُبل" تنهي الفصل الدراسي
طوفان "علاقات غير سوية" يجتاح "التعليم النسائي" بعيداً عن أعين الرقابة
رولا المسحال – سبق - الرياض: في نهاية كل فصل دراسي يتكرر الموقف، ويتكرر المشهد.. عشرات الطالبات يودعن فصلهن الدراسي بالدموع من أجل إجازة طويلة أو قصيرة، يبدو عليهن التأثر.. يحملن في أيديهن باقات من الورود وهدايا حمراء، كل ذلك لا يكون حزناً منهن على تركهن مدرستهن ولا حزناً على فراق كتبهن المدرسية ومعلماتهن بل حزناً على فراق "صديقاتهن".
يبدو المشهد من بعيد أن هناك صداقة بريئة تدور بين هؤلاء الفتيات، ولكن نظرة قريبة لتلك العلاقات يفتح الباب لعشرات الأسئلة المريبة، والاستفسارات عن طبيعة تلك العلاقات التي تدور في خفايا وأزقة بعض المدارس والجامعات.
"سبق" قررت أن تخوض غمار هذه "القضية" لتطلع على ما يدور خلف أسوار المدارس والجامعات، وأن تطرق باب موضوع شائك يصعب على الإعلام سبر أغواره، فالمحاذير الاجتماعية والرفض له جعله مختفياً ودفيناً دوماً تحت غطاء من الإنكار والاستنكار، ولكن الحقيقة المرة التي تواجهنا دوماً تقول: إنه يحدث..
في الإبتدائية
طالبة في المرحلة الابتدائية جاءت لوالدتها وسألتها: ما معنى أن تتبادل الطالبات القُبل في المدرسة؟! ولما لا تنال هي هذه القبلات؟ سؤال أثار فزع الأم واستغرابها، وفي الوقت ذاته حيّرها، فما هي ردة الفعل المناسبة وبماذا تخبر ابنتها التي لم تتجاوز الـ 12 من عمرها رغم اعتقادها أن ما قمن به الفتيات لا يتعدى "التقليد الأعمى"؟ حيرتها هذه قابلتها حيرة أكبر من أم أخرى فوجئت بابنتها تتحضر قبل أسابيع من نهاية الفصل الدراسي لإعداد هدية لصديقتها المفضلة.
وقالت الأم لـ "سبق": فوجئت منذ فترة بتصرفات مريبة من ابنتي وصديقتها، خاصة أن هذه الصديقة بالذات اختارت لنفسها مظهر "البوي"، ورغم رفضي للقائهما خارج أسوار المدرسة إلا أني أشعر أن هناك الكثير مما يجري خلفي ودون علمي، فيما يكون رد ابنتي دوماً عندما أنتقد صديقتها: "كل البنات يفعلون الشيء ذاته".
شهادة معلمة
واعترفت معلمة تعمل في مدرسة ثانوية في منطقة قريبة من الرياض، أن هناك الكثير من المُخبّأ في المدارس ولا يعلم عنه الأهالي أو المسئولون في بعض الأحيان، أو يصرون على تجاهله، مشيرة إلى أن المدرسة التي تعمل بها شهدت واقعة غريبة وتخطت الكثير من الحدود، بعد أن تم ضبط فتاتين في ساحة المدرسة في مكان منزو ويقمنا بأعمال مخلة بالأدب.
وأضافت المعلمة: "المدرسة التي ضبطتهما وقفت كالمشدوهة لدقائق فيما لم تنتبه الطالبتان لوجودها لفترة من الوقت"، مشيرة إلى أن الموقف شهد تخاذل من إدارة المدرسة التي لم تبلغ عائلة الطالبتين أو تفصلهما، وعادتا إلى مقاعد الدراسة، فيما رفعت شكوى عن الطالبتين لإدارة التعليم بمنطقتهما لكن المدرسة لم تتلق الرد. وأوضحت أن إدارات الكثير من المدارس تعتبر ما يحدث "مشاغبة مراهقات".
وقالت المعلمة التي رفضت الكشف عن اسمها: "إن الأمر لا يقف عند حدود الطالبات، فبعضهن يتجرأن بمحاولة الدخول في علاقات مع معلماتهن تحت اسم: إعجاب"، مؤكدة أن قضية الإعجاب كانت موجودة في المدارس منذ زمن طويل إلا أنها تطورت في الوقت الحاضر بشكل مقلق.
وتبدو نهاية العام الدراسي فرصة للكثير من الطالبات التي تجري بينهن علاقات غير سوية، فبحسب المعلمة فإن نهاية العام تشهد تبادل الطالبات لهدايا وورود ويكون الوقت مناسباً لبعضهن للخروج معاً، فيما يطلقن عليه اسم "موعد".
وذكرت أن غياب رقابة الأسرة وخروج الطالبات بعد الامتحانات، يعطيهن فرصة للذهاب إلى بعض المراكز التجارية سويا وتبادل الزيارات، مشيرة إلى أنها تلاحظ أن الفتاة التي تكون لها هيئة "بوي" تعجب بها الفتيات بشكل أكبر ويلاحقنها.
بطريقة أخرى
"هدى" طالبة في مدرسة ثانوية في الرياض، رفضت أن تصنف ما يجري في مدرستها تحت اسم "علاقات غير سوية"، قائلة: "الكثير من الفتيات في المدارس لهن صديقات، ولست أقصد صديقات بالمعنى العادي، ولكن أقصد صداقة حميمية، ويكون الأمر لما تذهب إحداهن إلى أخرى وتعلن إعجابها بها، فعندها تقبل أو ترفض، وفي حال قبلت يصبح هناك نوع من التملك، فالفتاة الأولى تغار على شريكتها من الفتيات الأخريات، كما يقمن بـ "المواعدة" وتعني أن يكون هناك موعد بينهما للمشي سوياً وتبادل الهدايا وأحياناً الخروج سوياً بعد المدرسة".
وأضافت: "ليست كل علاقة من هذه العلاقات تكون علاقة غير سوية، أحياناً تكون مجرد ميل عاطفي ينتهي بعد فترة، ولكن في بعض العلاقات يستمر الأمر ". وقالت: "على من يبحث عن هذه الظاهرة أن يرى بنفسه ما يحدث أحياناً في الأماكن المنزوية في المدرسة".
ورفضت "هدى" الإجابة، عند سؤالها: هل لها صديقة من هذا النوع؟ ولكنها اكتفت بالقول: "إنها لا تختلف كثيراً عن صديقاتها وزميلاتها في المدرسة".
وفي الجامعات
شهادة أخرى تنقلها طالبة جامعية عايشت الموقف بنفسها، وقالت: تعرضت للكثير من المواقف وملاحقة بعض الفتيات لي، مضيفة: "أحياناً أشعر أني لا أسير في حرم جامعي بل أسير في مجمع تجاري، حيث تتجرأ بعض الفتيات على إلقاء عبارات الغزل أو ملاحقة فتاة معينة، وهو ما حدث معي أكثر من مرة".
وأوضحت خلود التي وصلت لسنتها الرابعة، أنها صادفت مثل هذه العلاقات في بداية مشوارها الجامعي، حيث فوجئت بأول صديقة تعرفت عليها تعاملها بمبدأ التملك، قائلة: "كانت تصرفاتها غريبة وتصر على احتضاني صباحاً كل يوم وكأني أغيب عنها لسنوات، كما كانت تغار وتنفعل إذا تكلمت مع أخريات، ما جعل تصرفاتها مريبة بالنسبة إلي وقررت قطع علاقتي بها".
وأضافت: "نلاحظ بعض التصرفات غير السوية من قبل بعض الطالبات في الجامعة، خاصة أن الجامعة فيها حرية أكثر بالنسبة إليهن، ونرى ذلك يومياً في الحرم الجامعي".
إرشاد تربوي
تؤكد المرشدة التربوية أسماء العبودي أن الأهل يبلَّغون بأي أمر يتعلق بالطالبة إذا استدعى الأمر، خاصة أن حل أي موقف أو مشكلة تمر بها الطالبة يقتضي أن تساهم به الأسرة.
وأضافت: "لا يمكن توجيه الطالبة بمعزل عن أسرتها، خاصة في المرحلة الابتدائية، وفي المراحل الدراسية الأعلى في الغالب يتم تبصير الطالبة من قبل المرشدة، أو المعلمة بكل ما يتعلق بأي مشكلة تواجهها".
وأشارت العبودي إلى أن "الفراغ العاطفي" هو أكبر سبب يدفع الطالبات لمثل هذه التصرفات، قائلة: "متى ما ملأنا هذا الفراغ بالحب لها سواء من والديها وإخوانها ومعلماتها، فهي لن تبحث عمن يملؤه بطريقة غير سوية، في الغالب الكثير من الأهالي لا يعبرون لبناتهم عن حبهم لهن، ولا يحتضنون الفتاة ولا يقبلونها لأنها كبرت! ولا يجعلون لها كياناً أو رأياً داخل البيت، وربما تهمش مثلاً لأنها فتاة ويفضل الولد عليها،أو يعطى له صلاحيات وتحرم هي منها.. فتلجأ للبحث عن إشباع احتياجاتها خارج البيت".
دور مجالس التأديب والرقابة
ويشاركها الرأي المستشار الأسري الشيخ محمد العصيمي الذي قال في حديث خاص لـ "سبق": الله سبحانه وتعالى أهلك أمة كاملة بسبب "الشذوذ"، ففيه قتل لمعنى الحياة، كما أن هذا الفعل لا يختلف عليه أحد بأنه أمر محرم، مشيراً إلى أن هذه الممارسات تدخل تحت باب الفاحشة، والفحش هو ما تستقبحه النفس السوية. وأضاف: "إذا كان هناك لعن لمن يتشبه من الرجال بالنساء أو العكس، فما بالنا بمن يمارس الشذوذ؟".
وأوضح العصيمي أن الكثير من الفتيات اللواتي ينجرفن في علاقات غير سوية، هن فتيات لديهن إشكالات نفسية، أو تعرضن لمواقف سلبية في صغرهن، مشيراً إلى أن ضعف شخصية بعض الفتيات قد يكون سبباً وراء انجرافها في تيار من الانحراف، ويسهل التأثير عليها.
وأشار إلى أن طبيعة المجتمع النسائي له خصوصيته، ما يعني أن الكثير من القضايا من هذا النوع قد لا يتم التوصل إليها أو الإبلاغ عنها للجهات المختصة، كهيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، لما لها من خصوصية.
وشدد العصيمي على دور وسائل الاتصال في وقتنا الحاضر في انجراف الكثير من الفتيات إلى مثل هذه الأمور، قائلاً: "أصبحت وسائل الاتصال خطراً حقيقياً، خاصة أن بعض الفتيات يتمكن من الحصول على ما يبحثن عنه وهن جالسات في أماكنهن دون رقابة حقيقية من ذويهن".
وأشار إلى أن الفراغ العاطفي يكون له دور كثير في وصول الفتيات إلى طريق العلاقات غير السوية، منوهاً إلى دور الأهل. وقال: "ليس من الخطأ أن يكون هناك عاطفة في الأسرة، بل هو أمر ضروري، فليس من العيب أن يحتضن الأب بناته ويتبادل معهن الحديث ويحاول إشباع حاجاتهن العاطفية بمساعدة والدتهن".
وذكر العصيمي أن الجامعات تشهد الكثير من المخالفات في مثل هذه الأمور، وذلك لغياب الرقابة أو ضعف المجالس التأديبية في الجامعات، قائلاً: "المجالس التأديبية في الجامعات لم تعد كالماضي، بل أصبحت متساهلة خاصة في ظل ما نشهده من انفتاح". وأشار إلى ضرورة حل مثل هذه المشكلات بالتدرج، وذلك من خلال البحث عن جذورها النفسية لدى الفتاة، ومن ثم محاولة مساعدتها بمشاركة مؤسستها التعليمية وذويها.
يشار إلى أنه لا توجد إحصائيات دقيقة حول مثل هذه الظواهر، فيما كان أبرز الجهود التي تناولت القضية ما أعلنه مركز أبحاث مكافحة الجريمة في وزارة الداخلية في نهاية عام 2005 من إعداد دارسة حول هذه الظاهرة.