تتجوّل داخل الدار وتلتقي ساكنات بها
مُطلَّقات لجأن إلى "نور البيان" يشتكين خيانات الأزواج وقسوة المجتمع
ريم سليمان - دعاء بهاء الدين – سبق - جدة : يعد الاهتمام بشئون المرأة من أولويات الدولة في هذه المرحلة، من حيث تأمين دخل للنساء للاكتفاء الذاتي لكل امرأة لديها ظروف تستدعي معونتها، ولسد متطلباتها الضرورية في الحياة، سيما اللاتي لا يجدن دخلاً مناسباً.
ولا شك أن النساء المطلقات والأرامل اللاتي يبحثن عن سكن، يأتين في مقدمة هذه الفئة التي تستحق كل الدعم والرعاية لتوفير المسكن والمورد المالي الذي يمكّن النساء من ذوي الظروف الخاصة من سد احتياجهن الحياتية.
وتشير الإحصائيات إلى وجود أكثر من 400 ألف مطلقة، خلافاً للأرامل والعازبات اللاتي بلغن سن الأربعين من دون زواج، ويتجاوز عددهن الـ 500 ألف، بحسب إحصائيات غير رسمية، وقد شهدت السنوات الثلاث الأخيرة مطالبات برفع إعانة الأرامل والمطلقات ومنحهن سكناً حكومياً.
ولاشك أن المجتمع المدني يمكن أن يلعب دوراً مهماً في هذا الإطار، وهو ما تحقق بالفعل من خلال بعض مشاركات أهل الخير، ومن بينها دار " نور البيان" التي تضم بين جنباتها 30 شقة مخصصة بالكامل لهذه الفئة، وفي هذا التقرير حصيلة ماخرجت به "سبق" في أعقاب جولة داخل الدار، حيث تعرض بعض الحالات التي التقتها، ثم تستمع لابنة صاحب الدار: الحقوقية بيان الزهراني.
طرد وحرمان
في البداية تحدثت إحدى نزيلات الدار "تحتفظ سبق باسمها" عن كيفية معرفتها بالدار، ومجيئها للسكن فيها بعد أن طردها زوجها من مسكنها وتزوج جارتها. وحكت لنا مأساتها مع زوجها بعدما ضاقت زرعاً بكثرة زيجاته، التي حولت حياتها إلى جحيم. وقالت: طردني زوجي من المنزل وحرمني من أولادي.
وأضافت: فشل الأبناء في الدارسة، ولم يستطع أحد أن يقف أمام زوجي حتى أولادي لم يقدروا على منعه بسبب حاجتهم إلى الأموال التي يوفرها لهم، وكانت النتيجة أن تركت بيتي وأولادي بعدما أصبت بانهيار عصبي ودخلت المستشفى وجلست فيه فترة طويلة، ثم انتقلت للبقاء مع والدتي، وبعدما التهمت الإيجارات كل ما كان معنا لم نجد مكاناً يؤوينا.
وتابعت حديثها قائلة:عملت فترة مصممة إكسسوارات، كما امتهنت بعض الأعمال البسيطة من المنزل، وبدأت أبيع لمدة 7 سنوات من منزلي، ولكن صحتي بدأت تضعف وأصبت بالسكر والضغط ولم أستطع أن أصرف على نفسي ووالدتي.
وبعد فترة قصيرة أخبرتني إحدى زميلاتي في "جمعية البر" التي كنت أعمل بها مدربة متطوعة أن هناك داراً للمطلقات، وبالفعل جئت إلى هذه الدار برفقة والدتي، ومازلنا نسكن معاً في شقة خاصة بنا.
وبعد بكاء وحزن على حياتها ومصيرها، قالت: ما زلت لا أستطيع أن أنسى ما حدث لي وحرماني من أولادي، مؤكدة أن أمنيتها الوحيدة في هذه الحياة أن يجمعها الله مع أولادها تحت سقف واحد.
وعما إذا كان أولادها يسألون عنها، أجابت: يسألون عني بصفة مستمرة، ويأتون إلي ويفعلون كل ما في وسعهم لإسعادي، ويقولون لي كيف كنت تعيشين مع والدنا.
وقد وفرت لنا هذه الدار -أنعم الله على أصحابها بالخير- السكن الآمن لنا، وكل منا مسئول عن طعامه، كما أن هناك بعض المعونات تأتي من الخارج وتوزع علينا، وأحمد الله على وجود مثل هذه الدار، فلولاها لكنت من ساكني الشوارع.
أريد عملا
أما "رحمة" فهي حالة أخرى من الموجودات في الدار، وقد روت لنا حادث طلاقها، وكيف أن زوجها أخرجها للشارع بلا أي شيء ولا حتى ملابسها، فلم تجد لها مأوى أو سكناً تعيش فيه، فجاءت إلى الدار التي خصصت لها شقه، ثم عادت ورفعت قضية نفقة على زوجها وطلبت أن يصبح الأولاد في حضانتها، وبالفعل تقيم هي وأبناؤها الثلاثة داخل الدار، ولكنها تبحث عن عمل شريف تستطيع أن تعيش من خلاله حياة كريمة.
فكرة إنشاء الدار
من جهتها أفصحت الحقوقية بيان الزهراني، عن فكرة إنشاء دار "نور البيان" من قبل والدها منذ ما يقرب من ثلاثة أعوام. وقالت: بعد أن تقاعد والدي من العمل قرر أن يعمل شيئاً للمجتمع، ووقتها تناقشنا عن وضع المرأة خاصة المطلقة والأرملة، ورفض الولي في العديد من الحالات التكفل بالمصاريف الأساسية ومن بينها توفير مكان يؤمن لها حياتها، وقتها قرر والدي التكفل ببناء عمارة تحتوي على 30 شقة لرعاية تلك الفئة، على أن يكون الدور الأول مكاناً للمحاضرات واللقاءات بين سكان الدار.
وأضافت في حديها لـ "سبق" بدأت ووالدتي نبحث عن الحالات التي تقبل داخل الدار ومواصفاتها ومن يستحق تلك الخدمة، وبالفعل وضعنا شروطاً محددة، منها أن تكون مطلقة، مسنة، أو أرملة ولا يوجد لها ولي شرعي كفء ينفق عليها، ولكن للأسف وجدنا حالات عدة، لها ولي ولكنه يريد أن يتخلص منها.
وأشارت الزهراني إلى أن هناك بعض الجهات ترسل لنا حالات لدراستها، وإذا كانت تصلح يتم إدخالها، وفي بعض الأحيان تأتي نفقات خيرية لنزلاء الدار من ذوي الخير، ويأتي بنفسه لإعطائها إليهم، بيد أنه لا توجد جهة تمول المكان بشكل رسمي، حتى الأخصائية الاجتماعية فإن والدي يتكفل براتبها وهي لها دور مهم جداً في احتواء الحالات وتلبية متطلباتهم.
وأعربت عن أسفها من عدم توفر مساكن من قبل وزارة الشئون الاجتماعية للمطلقات والأرامل، حتى تضمن لهم عيشة كريمة، مشيرة إلى أن الضمان الاجتماعي يوفر مبلغاً شهرياً يصل في بعض الأحوال إلى 1000 ريال، وهو مبلغ ضئيل لا يمكن أن يفي بمتطلبات حياة كريمة في ظل ارتفاع الأسعار.
دعوة لرجال وسيدات الأعمال
ودعت الحقوقية الزهراني رجال الأعمال إلى التفكير في هذه الفئة، مشيرة إلى أنه إذا تمت المساهمة من قبل رجال وسيدات الأعمال لإنشاء أماكن سكنية لهذه الفئة، فلن نجد مطلقة أو أرملة أو سيدة تبحث عن مكان لإيوائها، وسيصبح المجتمع سوياً بلا انحرافات سلوكية، مؤكدة أن النجاح ليس في تحقيق الثروة فقط بل في السيرة الحسنة ومساعدة المحتاجين.
وطالبت بوجود نظام يحدد عقوبة على الولي الذي لا يتكفل بعائلته، مع وجود نظام للأحوال الشخصية، حيث بات مفهوم الشريعة الإسلامية مختلفاً من قاض إلى آخر، مؤكدة أن وجود النص أفضل من ترك الشيء على هواه.
إجراءات نظامية
إلى ذلك أشارت مسئولة رعاية ساكنات الدار سهام سكر إلى أن الدار مخصصة للعائلات السعودية الفقيرة التي ليس لها عائل، على ألا يزيد عمر أبنائها الذكور عن 15 عاماً كحد أقصى، حفاظاً على الجو الأسري للمجمع والرباط والرحمة بين الساكنين فيه، كما أنه مخصص للمطلقات السعوديات أو الأرامل منهن اللاتي ليس لهن دخل، أو من يثبت ضعف دخلهن، ولا يستطعن معه القيام بأعباء الحياة، حيث يلزم هنا مساعدتهن والأخذ بيدهن.
وعن طبيعة الإجراءات المتبعة للالتحاق بالدار قالت: تقدم الأوراق الرسمية التي تثبت أحقية المرأة في السكن، وتحديد عدد أفراد الأسرة، حيث يقسم السكن حسب عدد أفراد الأسرة (سكن كبير – سكن صغير)، مشيرة إلى أن الدار تقدم بعض النشاطات مثل: محاضرات اجتماعية، نفسية، سلوكية، بهدف تحقيق الأمن النفسي للسيدات اللاتي يفتقدنه نتيجة الظروف الاجتماعية الصعبة التي ألمت بهن، وبث روح الثقة في أنفسهن، بما يؤهلهن للتكيف مع المجتمع والانخراط فيه.