نجيب ميقاتي.. رجل "المهمة المستحيلة" في حكومة حزب الله
حياد مثير للجدل
نجيب ميقاتي
أمام رئيس الوزراء اللبناني المنتخب مهمة شاقة للغاية. فيجب أن يلتزم نجيب ميقاتي الحذر البالغ إذا كان يرغب في عدم إقصاء كتلة المعارضة التابعة لسعد الحريري، بخاصة في ما يتعلق بمستقبل المحكمة الخاصة بلبنان. وفي الوقت نفسه، يجب عليه أن يضع في اعتباره الجماعة التي وضعته في منصب رئيس الوزراء وهو المنصب الذي يمثل ضغطا في الوقت الراهن، حزب الله وحلفاءه. فهل لدى رجل الأعمال ما يتطلبه الأمر؟
«لا يمكن حكم لبنان من دون إجماع»، ذلك ما قاله نجيب ميقاتي في حوار مع مجلة «المشاهد السياسي» في 24 أكتوبر (تشرين الأول). وبعد ذلك بأربعة أشهر، تم اختيار ميقاتي رئيسا للوزراء - للمرة الثانية في تاريخه السياسي - في ظروف بعيدة عن الإجماع تماما. فقد انضم ميقاتي للأقلية البرلمانية التي يتزعمها حزب الله لهزيمة منافسه رئيس الوزراء سعد الحريري في واحدة من أكثر عمليات الاقتراع استقطابا في تاريخ البلاد الذي شهد اقتراع 68 نائبا لفائدة ميقاتي و60 لصالح الحريري.
وكان ميقاتي قد تم انتخابه في البرلمان في يونيو (حزيران) 2009 على كتلة الحريري وكان عضوا في الغالبية البرلمانية التي يتزعمها الحريري حتى وجد فرصة لولاية ثانية كرئيس للوزراء فبدل ولاءاته. وعن ذلك قال الحريري إنه يعتبر أن ميقاتي قد خانه، ولكن رئيس الوزراء المنتخب يصر أنه لم يفعل. وخلال الشهر الماضي صرح لـ«الحياة» اليومية بأن التوتر بينه وبين الحريري كان كعاصفة في فنجان وقال إنه يتوقع أن ينتهي سريعا لأنه «لن يسمح بهبوب عاصفة داخل الفريق السني».
وعلى غرار الحريري، فإن ميقاتي سني وهو ما يسمح له بأن يصبح رئيس وزراء وفقا للدستور اللبناني. وعلى غرار الحريري، فإن ميقاتي ملياردير، حيث لديه ثروة تقدر بنحو 2.5 مليار دولار، وفقا لمجلة «فوربس». ولكن على النقيض من الحريري - الذي رفض الخضوع للضغوط من أجل رفع الشرعية عن المحكمة الخاصة التي أنشأتها الأمم المتحدة للبنان مما أثار غضب حزب الله - فإن ميقاتي يحوز ثقة حزب الله منذ أن وعد حزب الله بأن يكون القضاء على تعاون لبنان مع المحكمة الخاصة هو أول خطوة على أجندة المجلس الجديدة، على حد زعم مجموعة 14 آذار. ولكي تضعه في اختبار في ما يتعلق بقضية المحكمة الخاصة، قالت مجموعة 14 آذار إنها سوف تنضم إلى مجلس الوحدة الوطنية بزعامة ميقاتي إذا ما وعد بالاستمرار في التعاون مع المحكمة.
وقد نفى ميقاتي أن يكون قد وعد أي أحد بأي شيء. وادعى أنه لم يعد حزب الله بالقضاء على المحكمة وبالتالي فهو لن يعد مجموعة 14 آذار بأي نوع من الحماية. وبدلا من ذلك، صرح ميقاتي أن خطته كانت إحياء معادلة السعودية - سورية، وهي التسوية المحلية التي كانت ترعاها كل من المملكة العربية السعودية وسورية. ومع ذلك فإن وزير الخارجية السعودي الأمير سعود الفيصل أعلن أن المملكة قد سحبت يدها من لبنان بعدما أخفق الرئيس السوري بشار الأسد في الوفاء بوعوده.
ونظرا لأن إحياء معادلة السعودية - سورية مستبعد الآن، تبدو المساومة ضعيفة وسيكون على ميقاتي أن يختار بين الخيارين البسيطين والواضحين، فإما أن ينحاز إلى داعميه في البرلمان - حزب الله وحلفاؤه - وينهي تعاون لبنان مع المحكمة والذي يستهدف تقديم المتهمين بقتل رئيس الوزراء السابق رفيق الحريري في 2005 إلى العدالة أو يرفض مثل ذلك البرنامج.
وإذا ما حقق ميقاتي لحزب الله أمنياته، لن يكون هناك بد من هبوب عاصفة في البيت السني. ففي النهاية، كان رفيق الحريري زعيما سنيا بارزا، وإذا ما مر اغتياله من دون عقاب، فربما يحمّل سنة لبنان ميقاتي المسؤولية. أما إذا حاول ميقاتي حماية المحكمة، فإن مجلسه - على غرار مجلس الحريري من قبله - ربما ينهار تحت تهديدات وضغوط حزب الله.
ومن جهة أخرى، ذكر المراقبون أن هناك سيناريو ثالثا ربما يتم إجبار ميقاتي خلاله من قبل مجلس الوزراء المكون من غالبية موالية لحزب الله على مناقشة تعاون لبنان مع المحكمة. ومن ثم يستطيع المجلس المجتمع حديثا التصويت على إنهاء التعاون حتى إذا اقترع ميقاتي ووزراؤه ضد حزب الله. وبهذه الطريقة، سوف يظهر ميقاتي كمدافع عن المحكمة ويخسر التصويت في مجلسه.
مما لا شك فيه أن ميقاتي في موقف لا يحسد عليه، حتى أن العديد من الناس يتساءلون لماذا قبل ذلك المنصب. ولكن وفقا للرجل نفسه، فإنه فعل ذلك لأنه رأى «علامات خطر تحيط بالمجتمع اللبناني ووحدة لبنان». وقد أخبر «الحياة»: «هناك تصدعات عدة في البيت اللبناني وبالتالي يجب أن يكون هناك موقف مسؤول نختار عبره حماية الوحدة اللبنانية».
فهل تكون الوحدة على حساب المحكمة؟ لا يعطي ميقاتي إجابة واضحة. ولكنه يقول إنه في 2006، عقد العديد من الزعماء اللبنانيين حوارا وطنيا توصلوا عبره إلى إجماع على حماية «العدالة والحقيقة» في ما يتعلق بمقتل الحريري. ولكن ميقاتي لا يخبرنا كيف يمكن تحقيق العدالة والتوصل للحقيقة من دون المحكمة. فهو يعد بأن القضية سيتم طرحها للمناقشات الوطنية وهو الشيء الذي حاوله الحريري وأخفق فيه لمدة عام.
وفي الوقت الذي لم يعد فيه ميقاتي بحماية المحكمة، فإنه وعد بحماية المقاومة وهو الاسم الذي يطلق على الميليشيات المسلحة المعروفة بحزب الله.. «أجل، لقد قلت إنني ملتزم بحماية المقاومة لأنني أعتبر أن المقاومة حققت إنجازات عظيمة وأنه يجب علينا حمايتها الآن طالما أن إسرائيل تنتهك فضاءنا الجوي ومياهنا الإقليمية» ذلك ما قاله رئيس الوزراء. ولكن تبرير سلاح حزب الله وإرجاء المحكمة إلى الحوار الوطني المستقبلي لا يلقى إعجاب مجموعة 14 آذار. وهو ما يجعل التحالف الذي يقوده الحريري يصر على أن يظل في المعارضة وعلى أن ميقاتي هو مرشح حزب الله.
وقد اعترض ميقاتي على أنه رجل حزب الله، قائلا إنه كان مرشحا للمنصب وإنه اتفق أن حزب الله قد صوت لصالحه. ولكن مجموعة 14 آذار تقول إن ذلك ليس صحيحا لأنه من دون الكتلة البرلمانية لحزب الله وحلفائه، كان ميقاتي سيحصل على أربعة أصوات فقط ويخسر لصالح الحريري. ونظرا لأنه يدين بوظيفته للحزب، فمن المتوقع أن يصغي ميقاتي له، وهو الشيء الذي حرص رئيس الوزراء الجديد مرارا على نفيه. لقد كان ميقاتي يوصف دائما بأنه رجل ذكي ورجل أعمال ناجح. ولكن في السياسة، ما زال عليه أن يثبت كفاءته. فقد تم تعيين الملياردير العصامي في البداية كوزير عندما أجبر السوريون رفيق الحريري على الخروج من السلطة في عام 1998. وقد تم انتخاب ميقاتي في البرلمان في 2000، تحت الرعاية السورية وبقي في المجلس حتى 2004. وجاءت الذروة في 2005، في ذروة الانقسام بين 14 آذار وحزب الله، وقد تم اختيار ميقاتي كمرشح وسط لتشكيل أول مجلس. ولكن منذ ذلك، تغير الموقف. فلم تعد مجموعة 14 آذار في وضع التفاوض مع حزب الله مما يجبر ميقاتي على الاعتماد الكامل على الحزب لنجاح مجلسه وهو الشيء الذي ربما يحد من استقلاله.
«احكموا علي بناء على أفعالي» كان ذلك هو شعار ميقاتي منذ تعيينه في 25 يناير (كانون الثاني)، وهو التصريح الذي لاقى صدى في العواصم الغربية قائلين إنهم لن يقاطعوا ميقاتي من حيث المبدأ بل سوف ينتظرون ويرون. وحتى يحقق ميقاتي معجزة تلقى رضا 14 آذار، وحزب الله في الوقت نفسه، فإن زعمه بالحياد سيظل محل جدال. وفي النهاية، فبقدر ما يستطيع تحقيقه من حياد، فإن ميقاتي لم يصبح رئيسا للوزراء إلا بعد هزيمة حليف سابق. وبالتالي فربما يحتاج إلى وقت طويل لكي يثبت أنه كان غير متحيز طوال الوقت.