عمر قتلني... على خط الانطلاقة في مسابقة الأوسكار
قضية المغربي عمر الرداد يخرجها رشدي زم إلى العالمية
انتقلت معركة البستاني المغربي عمر الرداد إلى مستوى آخر من العالمية، وذلك بعد أن اختير فيلم "عمر قتلني..." لتمثيل المغرب في جوائز الأوسكار ضمن مسابقة الأفلام الناطقة بالأجنبية.
بوعلام غبشي من باريس: وقع الاختيار على فيلم "عمر قتلني" لتمثيل المغرب في جائزة الأوسكار 2012 بموجب قرار للجنة انتقاء، تعمل في إطار المركز السينمائي المغربي، ترأسها الناقد محمد كلاوي، و هو من إخراج رشدي زم الذي يحمل الجنسية الفرنسية إضافة إلى جنسيته المغربية.
و تتكون اللجنة المذكورة من الممثلة منى فتو، والمسؤولة عن الإنتاج بالمركز السينمائي سلوى زويتن، والناقدين السينمائيين أحمد بوغابة وعمر بلخمار والمخرجين والمنتجين كمال كمال وعبد الكريم الدرقاوي والناقد والمكلف بالتواصل بالمركز السينمائي محمد باكريم.
إيلاف حاولت الاتصال بأحد عناصر اللجنة المذكورة للتعليق على هذا الاختيار إلا أنها لم تتمكن من ذلك، كما ربطت الاتصال بممثلين مغاربة لنفس الغرض إلا أن الأجوبة كانت بالسلب بتبريرات مختلفة.
قراءة في الاختيار
علقت مصادر صحفية فرنسية على هذا الاختيار، و التي فضل البعض منها الإشارة إلى الجنسية المغربية للمخرج دون أي تلميح إلى جنسيته الفرنسية، بكونه لا يحمل بين طياته خلفيات فنية فقط، و إنما فيها إشارة كذلك إلى الاهتمام الذي أصبح يوليه المغرب لجاليته بالخارج.
عرض الفيلم بالمغرب أياما فقط بعد عرضه بفرنسا و بحضور الأميرة لالة مريم، ليس فقط لأن المخرج مغربي و القصة بأكملها تدور حول محنة مواطنه العامل البسيط مع القضاء الفرنسي بأمل إثبات براءته، و إنما فيه إشارة، على أن الرباط تعلن معانقتها لجاليتها فنيا، من خلال دعم المبدعين من أصول مغربية، و معنويا كتعبير لنوع من التضامن مع هذه الشريحة في حالة تعرضها لأي أذى.
و هناك من تعرض لهذا العمل من النقاد الفرنسيين بنوع من التقليل من قيمته الفنية، على كونه لم يضف الجديد للحكاية من أصلها حتى آخرها، و كل ما حاول أن يضيف إلى هذه القضية هو أنه نقلها إلى السينما، مع استحضار تجربة المخرج السابقة و الوحيدة، من خلال فيلمه "النية السيئة"، الذي لقي نجاحا و اجتمعت فيه مقومات فنية أخرى.
رشدي زم قال في تصريح له إنه بهذا العمل "حقق حلما"، معبرا عن كونه حاول أن يكون موضوعيا على طول الفيلم، و هو الأمر الذي لم يسجله المدافعون عن الضحية، و الذين لم يروا في توقيت عرضه في القاعات مناسبا، باعتبار أنه تزامن مع مقتل الضحية غيزلين مارشال.
و لم يخف المخرج المغربي تعاطفه مع مواطنه عمر الرداد، حيث اعتبر أنه "عندما تعمقت في البحث في تفاصيل القضية، لمست عناصر مهمة كان من شأنها المساعدة في تبرئة عمر الرداد...".
و في نفس الاتجاه يتابع "إن إيماني ببراءة عمر هو من دفعني إلى إنجاز هذا الفيلم..."، و اعتمد في ذلك على الاحتكاك بمصادر مختلفة كان أبرزها ما كتب حول رجل يحاول منذ منذ 20 سنة أن يثبت براءته أمام القضاء الفرنسي.
"عمر قتلني..."
لعب البطولة في هذا الفيلم الممثل المعروف ذي الأصول التونسية سامي بوعجيلة إلى جانب ممثلين آخرين لهم بصمتهم على الساحة الفنية الفرنسية، ما جعل هذا العمل الفني ينال اهتماما خاصا من لدن وسائل الإعلام الفرنسية، بالإضافة لموضوعه الذي لا زال يشكل لغزا يتعقد فكه يوما بعد يوم.
كما أن إنتاجه كان من طرف رشيد بوشارب، الجزائري الأصل، وهو مخرج الفيلم الشهير "الأهالي"، الذي كان من بطولة رشدي زم، سامي بوعجيلة، جمال الدبوز و سامي نصري، و المنتج نفسه وقع سيناريو "عمر قتلني..." إلى جانب أوليفييه قورس.
و للتذكير أن رشدي زم رفقة المجموعة المذكورة من الفنانين ذوي الأصول المغاربية، حازوا مناصفة، نظرا لأدوارهم المتميزة في فيلم "الأهالي"، على جائزة أحسن ممثل في مهرجان كان السينمائي.
محنة عمرها 20 سنة
يعود انفجار قضية عمر الرداد إلى بداية التسعينات بعد اتهام هذا البستاني المغربي في قضية مقتل غيزلين مارشال، و تمت إدانته على خلفيتها بعقوبة سجنية قاسية، و ذلك بناء على حيثياث لم تقنع لا دفاعه و لا جزء كبير من الرأي العام الفرنسي، فيما ظل هو يردد أنه بريء.
الصحافة المغربية، وقتها، من خلال جرائدها الحزبية التي كانت تمثل صوت المعارضة في المغرب، تحدثت بلغة واحدة عن رفض تلك الإدانة، و ساندت الدفاع في توجهه، حيث اعتبر المحامي المعروف جاك فيرجيس أن إدانته حصلت فقط لانتماء الرداد العربي.
لكن هناك من أعاب على فيرجيس هذه الاستراتيجية في الدفاع، معتبرين أنه كان عليه البحث في حجج بديلة لإقناع القضاء بعكس التهمة التي نسبت إلى موكله، و ليس الدخول في معركة مع القضاء و مهاجمته، بل أن البعض رأى فيها طريقة مكنت المحامي الشهير من بيع أعداد كبير من نسخ كتابه حول القضية.
القضية بفعل الضجة التي اتخدتها، وقتذاك، تحركت الدوائر العليا على مستوى البلدين، ما أدى بالرئيس السابق جاك شيراك إلى إصدار عفو رئاسي بحق البستاني المغربي، أرجعته مصادر متطابقة، حينها، إلى تدخل للملك الراحل الحسن الثاني.
و بفضل هذا العفو، استعاد الرداد حريته بعد سبع سنوات وراء القضبان، إلا أنه يظل متهما في نظر القضاء الفرنسي، و هو ما يحاول دحضه بكل ما أوتي من جهد منذ 1991.
إدانة الرداد لعبت فيها عبارة "عمر قتلني..."، التي عثر عليها المحققون مكتوبة في مسرح الجريمة و نسبت إلى الضحية غيزلين مارشال، أهمية كبيرة في توجيه تهمة القتل إلى العامل المغربي الذي اعتقل يومين بعد وقوع الجريمة.
عبارة كانت كافية لأن يكون، هذا العامل المغربي البسيط المتهم المثالي، في قضية استعصى على كبار المحققين فك خيوطها بدقة متناهية حتى الان، رغم الخطأ الفادح الذي حملته هذه الجملة، و هو ما لم يكن بالإمكان أن تقع فيه امرأة مثقفة من مستوى غيزلين مارشال كما ظل دفاع عمر الرداد يؤكد كل هذه السنوات.