ضياع الملايين وفشل وريد وتباين الرواتب أمور تثير الجدل
قصة الإقالات في الإمارات بعد إعفاء وزير الصحة
لم يكن وزير الصحة في الإمارات حنيف حسن المسؤول البارز الأول الذي تتم إقالته من منصبه خلال الفترة الماضية، بل سبقه وزيران، وسط حالة من الدهشة بين المتابعين بفعل الإقالات المستمرة دون أي حديث عن "استقالات"، فيما تكشف "إيلاف" العديد من الخبايا في هذا الملف "الشائك".
محمد بن راشد (وسط) وإلى يمينه وزير الصحة المقال حنيف حسن
دبي: ربما لم يتنبه بعض الإماراتيين حتى الآن إلى أن الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم نائب رئيس دولة الإمارات، رئيس مجلس الوزراء و حاكم دبي، أقال في السنوات الثلاث الأخيرة وبشكل مفاجئ عددا كبيرا من المسؤولين سواء أكانوا وزراء في الحكومة الاتحادية أم مسؤولين محليين كبار في إمارة دبي و"السلسلة تطول".
وكانت أحدث إقالة هي إعفاء وزير الصحة حنيف حسن من منصبه يوم الثلاثاء الماضي، وتتعدد الرؤى حول هذه الإقالات، فهناك من يقول إن بن راشد يهدف من إقالة المسؤولين إلى ضخّ دماء جديدة أكثر خبرة ومعرفة وتخطيطا بما يتوافق مع منهجيته في مختلف المؤسسات، ومن يقول إنه لتجنب الركود الفكري والمؤسسي والبحث دائما عن النشاط والحيوية والفكر المتجدد وحتى لا يتقوقع المسؤولون في مواقعهم ويصبحوا فريسة للحاشية التي تحيط بهم من المديرين التنفيذيين ورؤساء القطاعات الذين يهدفون في أغلبهم إلى تحقيق منافع ذاتية ومصالح خاصة من وراء مواقعهم التنفيذية في الوزارات والمؤسسات المتنوعة.
ويتساءل الإماراتيون: لماذا يتم دائما إقالة المسؤول من منصبه ولا نسمع ذات مرة أن هناك مسؤولا قد استقال من منصبه طواعية؟!.
"كبش الفداء"
الأمر المثير للجدل حاليا في الإمارات سواء في الوزارات أو في الهيئات الاتحادية والمحلية أنه يبدو أن الوزير أو المدير المسؤول عن دائرته هو الوحيد الذي يفقد منصبه ويغادر كرسيه ويتحمل المسؤولية كاملة أي "كبش فداء" في حالة وقوع أي خطأ أو تقصير أو إهمال أو فساد في مؤسسته، ولا يتم تغيير بقية كبار المسؤولين في الوزارة أو الدائرة التي تقع فيها تلك المشكلات بل على العكس يظل المدراء التنفيذيون ورؤساء القطاعات في مواقعهم ويزدادون توغلا وتمكينا ويصبحون أكثر سلطة مما يدفع البعض منهم إلى استغلال مناصبهم وتحقيق أرباح مادية وتجارية ضخمة نظرا لأنهم بعيدون عن المسؤولية المباشرة لأن الوزير هو المسؤول الأول أمام الحكومة عن أعمال وزارته وهو أول من يحاسب على أخطائه وأخطاء غيره من مسؤولي الوزارة.
رغم كل الإقالات والإصلاحات التي يقوم بها الشيخ محمد بن راشد يطالب عدد من الإماراتيين بضرورة استمرار وتوسيع نطاق سياسة التغيير وضخ دماء جديدة شابة في مختلف القطاعات الاتحادية والمحلية بحيث لا يقتصر التغيير على المسؤول الأول في المؤسسة فقط إنما يجب أن تمتد تلك الإقالات إلى كبار المساعدين أو "اللوبي" الذي يحيط بهذا المسؤول الأول لأن هؤلاء هم أساس معظم المشكلات التي يتم على أساسها أو بسببها إقالته من خلال "البزنس" الذي يقومون به من خلف الكواليس، فالوزير لا يمكنه أن ينجح في عمله دون وجود مساعدين أكفاء له، وكذلك إذا فشل فالفشل أيضا يكون مرتبطا بمن حوله من مسؤولي وزارته.
4 مسؤولين ساهموا في إسقاط وزير الصحة
وتقول مصادر موثوقة لـ"إيلاف" إن الوزير جهة سياسية أكثر منها جهة فنية وعملية، وأن وكيل الوزارة يكون هو المسؤول الفعلي عن كل ما يدور داخل الوزارة من أمور فنية.
وتكشف المصادر عن أن هناك 4 مسؤولين كبار في وزارة الصحة قد ساهموا بشكل أو بآخر في سقوط وزير الصحة حنيف حسن، هم وكيل الوزارة، والوكيل المساعد، والوكيل المساعد عبدالمأمور الطبي، ووكيل مساعد وهو أيضا مدير وسيط البعثات الذي تم سحب سلطة إرساله "بعثات خارجية" منذ قرابة شهر وإعطاؤها لوكيل الوزارة.
وترى المصادر أن هؤلاء "أبطال الوزير" الأربعة من وكيل الوزارة والوكلاء المساعدين هم أصحاب المبادرات التي تم إنفاق الملايين عليها دون أن تنجح، وهم أصحاب قرارات السفر للخارج للعلاج على نفقة الوزارة وغير ذلك كثير من الأفكار التي أضاعت الملايين "هباء" وبالتالي فهم الذين تسببوا بشكل فعال في الإطاحة بوزيري الصحة السابقين.
وأضافت أن وزير الصحة "السابق" حنيف حسن كان قد طلب أن يعفى من وظيفته منذ أكثر من شهر بعد أن شعر بأن مساعديه قد أغرقوه في المشاريع والمبادرات والاتفاقيات الفاشلة التي تكلفت ملايين الدراهم دون أن يكتب لها النجاح أو تنفذ على أرض الواقع.
لغز مشروع "وريد الإلكتروني"
في البداية هناك من يحمل وكيل الوزارة مسؤولية مبادرة "الميثاق والشفافية" المكلفة، و بـ"حسب المصادر" فإنه هو الذي يصنف الحالات المرضية المزعومة للعلاج في الخارج، وهو صاحب مشروع "وريد الإلكتروني" الذي انطلق منذ 4 سنوات وكانت تكلفته 350 مليون درهم تقريبا، رغم أنه كان من المفترض أن يطبق هذا المشروع العام الحالي 2011 بحيث يتم عمل ربط إلكتروني بين كافة المستشفيات والمراكز في الدولة، ولكن لم يحدث أي شيء من هذا، وبدأ المسؤولون في الوزارة يتهربون من أي سؤال صحافي أو إعلامي حول هذا المشروع وإلى أين وصل ومدى نجاحه من عدمه.
الحقيقة وراء "صرح مصدر مسؤول"
وتقول المصادر إن الأمر الآخر الذي لوحظ بشدة أيضا في السنوات القليلة الأخيرة في وزارة الصحة إنه عندما يخرج تصريح إعلامي أو صحافي من الوزارة لا يخرج بأسماء هؤلاء المساعدين الأربعة الكبار للوزير إنما يخرج تحت مسمى "صرح مصدر مسؤول" وذلك لأن المسؤولين الكبار يتركون صغار الموظفين يتحدثون نيابة عنهم حتى لا يتحملوا مسؤولية ما يقولون.
ولفتت إلى أنه من المفترض أن يقوم وكيل الوزارة والوكلاء المساعدون بالتحدث بكل شفافية إلى الإعلام كل منهم في نطاق اختصاصه ولكن يلجأ هؤلاء إلى الظهور الإعلامي فقط عندما يكون هناك افتتاح للمشروعات أو إطلاق للمبادرات الصحية فقط، وكذلك لا يقوم هؤلاء بمتابعة قطاعاتهم الصحية على أرض الواقع خاصة في الأماكن النائية في الإمارات الشمالية إنما يكتفون فقط ببعض الزيارات إلى مواقع قريبة من مقر الوزارة سواء في أبوظبي أو دبي.
وبحسب المصادر أيضاً فإن "عدم وجود رقابة وإشراف ومحاسبة ساهم في ضعف مخرجات وعمل هؤلاء المسؤولين الذين يطلقون مبادرات ومشروعات صحية على مدار العام ولا يلتزمون بتنفيذها"، موضحين أنه "يجب أن يكون هناك جهة رقابية ومتابعة مستمرة بحيث تأتي على سبيل المثال بعد مرور 6 أشهر من إطلاق أي مبادرة وتقول للمسؤول ماذا تحقق من مبادرتك ومتى ستنجزها بشكل كامل وتحاسبه على التأخير والتقصير في إتمامها؟".
إقالة وزيرين والبقية تأتي
الشيخ محمد بن راشد منذ عام 2008 وحتى الآن أقال وزيرين في الحكومة الاتحادية، كان أولهما الدكتور خليفة بخيت الفلاسي الذي شغل منصب وزير دولة ولم يكمل في الوزارة سوى عدة أشهر فقط حيث تولى هذا المنصب في 17 فبراير 2007 وغادره مقالا في عام 2008، وارتبط هذا القرار بإجراءات المحاكمة التي كانت تتم في ذلك الوقت بحق الوزير المقال إثر اتهامه بخيانة الأمانة والاحتيال.
والوزير الآخر وليس الأخير الذي يخرج من الحكومة مقالا هو الدكتور حنيف حسن على وزير الصحة، وقد كلّف الشيخ محمد بن راشد بصفته رئيس مجلس الوزراء عبد الرحمن محمد العويس بالقيام بأعمال وزير الصحة موقتا، بالإضافة الى مهام منصبه كوزير للثقافة والشباب وتنمية المجتمع.
وكان حنيف حسن قد تولى منصب وزير الصحة في مايو عام 2009 بعد موافقة الشيخ خليفة بن زايد آل نهيان رئيس الدولة على تعديل تشكيل مجلس الوزراء بناء على اقتراح الشيخ محمد بن راشد من حيث تبادل وزيرا التعليم والصحة لحقيبتيهما، وبموجب هذا التعديل تم تعيين حميد عبيد القطامي وزيرا للتربية والتعليم والدكتور حنيف حسن علي وزيرا للصحة بعد أن كان وزيرا للتعليم منذ 17 فبراير 2007.
ذكرى فشل "اليولة"
ومع إقالة وزير الصحة حنيف حسن يتذكر الامارتيون عدم تمكنه من إنجاز عدد من المبادرات والمشاريع التي طرحها سواء خلال توليه حقيبة التعليم، حيث قام عند تعيينه وزيرا للتربية والتعليم باقتراح برنامج "اليولة" المستوحى من الثقافة والتراث الإماراتي لتطبيقه في مدارس الدولة ولكن البرنامج لم يكتب له النجاح في المدارس بعد انتقاد أولياء أمور الطلاب له، كما اقترح حنيف تطبيق مشروع "مدارس الغد" وأنفق عليه وعلى الشركات و الخبراء الأجانب المطلوبين لإنجاز المشروع ملايين الدراهم من ميزانية الوزارة دون تحقيق جدوى حقيقية منه.
وكان أعضاء في المجلس الوطني الاتحادي السابق قد انتقدوا السياسة التعليمية التي كانت تنتهجها وزارة التربية والتعليم، معتبرين أنها لا تساعد على بناء الشخصية الوطنية بتركيزها على سوق العمل قبل البناء التعليمي والمعرفي للطلبة، فضلا عن تهميشها اللغة العربية وتبنيها أنماطا تعليمية تجعل المدارس خارج القانون، كما اعتبروا أن مشروع "مدارس الغد" نموذج على إخفاق سياسة الوزارة. وأضاف هؤلاء أن الوزارة وضعت اللغة عائقا في مشروع مدارس الغد، وأصبح من لا ينجح في اجتياز اختبار اللغة الإنكليزية يحرم من الحق في مواصلة التعليم العالي.
"الإمارات الشمالية المسمار الأخير"
لسوء حظ حنيف حسن فقد استمرت المشاكل عند توليه حقيبة وزارة الصحة أيضا بسبب ما قام به مساعدوه من مبادرات ومشروعات لم يكتب لها النجاح، حيث تفاقمت مشكلات المستشفيات والمراكز الصحية الحكومية واستمر نزيف وزارة الصحة خاصة في الإمارات الشمالية التي أصبحت مصدرا لكافة الشكاوى نتيجة تردي الخدمات هناك لدرجة أصبحت ملحوظة على الرغم من أن ميزانية وزارة الصحة للعام الحالي 2011، تبلغ مليارين و333 مليون درهم، تستخدم لتشغيل 15 مستشفى و69 مركزا للرعاية الصحية الأولية في دبي والإمارات الشمالية بخلاف المشاريع الجديدة كانت تطرحها الوزارة وتنوي تشغيلها خلال العام.
وتلفت المصادر على سبيل المثال وليس الحصر إلى أن معظم المستشفيات الحكومية في الإمارات الشمالية تعاني نقصا كبيرا جدا في عدد أجهزة "إم آر آي" (الرنين المغناطيسي) لأن الطبيب المتخصص في هذا الجهاز غير متوفر في المستشفيات الحكومية لأن راتبه يصل إلى 50 ألف درهم شهريا والوزارة تدعي أنه لا توجد لديها إمكانات مادية لتغطية تلك الرواتب لذلك يلجأ الأطباء للعمل في المستشفيات الخاصة التي تستطيع أن تدفع لهم رواتب كبيرة.
ويترتب على ذلك أن ينتظر المريض الذي يحتاج إلى عمل فحص من خلال هذا الجهاز قرابة شهرين أو أكثر حتى يحين موعده ويتمكن من إجراء الفحص المطلوب له وذلك على عكس المستشفيات الخاصة المليئة بمثل تلك الأجهزة والتي يمكن لنزلائها أن يجروا هذا الفحص يوميا إذا كانوا يمتلكون المال الكافي لذلك.
تباين مدهش في الرواتب
وتشير المصادر إلى أن ميزانية وزارة الصحة التي تقترب من ملياري ونصف المليار درهم، يذهب ثلثها إلى رواتب العاملين في القطاع الصحي في الدولة. ولكن المثير أن راتب الطبيب المواطن في أبوظبي يزيد بمقدار الضعف عن راتب نظيره الطبيب المواطن في الإمارات الشمالية، بالإضافة إلى تمتع طبيب أبوظبي بمميزات أخرى إضافية أهمها التأمين الصحي.
وأضافت المصادر أن الحالة المتردية في المستشفيات والمراكز التابعة لوزارة الصحة تعود بسبب كون الوزارة جهة تنظيمية وإشرافية تقوم بمنح مزيد من "تراخيص العمل" للكثير من المستشفيات والمراكز الصحية الخاصة التي يمتلك نصف أسهمها وافدون (إما هنود أو أجانب) ويعود النصف الآخر لبعض المسؤولين والمنتفعين في وزارة الصحة الذين يستغلون مناصبهم لتحقيق مكاسب مادية ضخمة من وراء تلك المستشفيات الخاصة وهنا تحدث الصراعات وتشتعل الاصطدامات بين هؤلاء المنتفعين حول "التراخيص" وما يعود من ورائها من منافع عديدة.
وتجدر الإشارة إلى أن الشيخ محمد بن راشد كان قد دعا في صيف العام الماضي الوزراء ورؤساء ومديري وقيادات المؤسسات والدوائر الاتحادية والمحلية إلى تحمل مسؤولياتهم الوطنية كاملة، وأداء واجباتهم الوظيفية بكل تفان وإخلاص وجدية في العمل، معتبرا أن "العمل الوطني الخلاق واجب وطني وديني وأخلاقي، وعلى كل مسؤول وكل مواطن ومواطنة أن يتحلوا بهذه الخصال الحميدة التي تعكس روح المواطنة الأصيلة والاعتزاز بانتماء كل فرد إلى هذا الوطن المعطاء الذي لم يبخل يوما على مواطنيه".