هل يُلغي قيامها دور المرجعيات الدينيَّة في لبنان؟
الدولة المدنية: قانون موحَّد يؤمِّن المساواة للجميع
ريما زهار من بيروت
استعادة روح الحياة المدنية هي شرط لولادة مجتمع لبناني عصري، هذا ما يقوله القانون وما دعت اليه التحركات الشعبية الاخيرة التي طالبت بإسقاط النظام الطائفي، فهل يشكل قيام الدولة المدنية في لبنان تهديدًا للقيادات الروحية فيه؟
بيروت: يقول النائب السابق والخبير القانوني الدكتور صلاح حنين لإيلاف إن الدستور في مادته ال95 ينص :"على المجلس النيابي اتخاذ الإجراءات لإلغاء الطائفية السياسية، ولكن وفق خطة مرحلية، وعلى المجلس تشكيل هيئة مرحلية مهمتها اقتراح الطرق الكفيلة لإلغاء الطائفية، والهدف هو الغاء الطائفية السياسية، ويعني ذلك عدم ازالة الضمانات، كما يظن البعض، ونلغي الطائفية السياسية في النصوص لكنها تبقى في النفوس، يجب ان نصبح مجتمعًا علمانيًا، ومدنيًا، وإلغاء الطائفية يعني ان يكون هناك قوانين شخصية للجميع سواسية، كي يكون هناك مساواة في هذا الموضوع، وكي نزيل ذهنية الانتماء الى الطائفة والتقوقع فيها، وعندما نلغي الطائفية ونصبح جميعنا سواسية يقوم عندها قانون مدني واحد، ونلغي الطائفية بمعنى انه لا تصل كل طائفة الى موقع حصلت عليه من خلال انتمائها الى طائفة معينة.
ولدى سؤاله هل يمكن ان تسود الحياة المدنية الواحدة في لبنان؟ يجيب:" اذا اخذنا مثلاً تركيا منذ 90 عامًا التزمت قانونًا مدنيًا واحدًا، رغم أنها من طائفة واحدة، والتنوع في الطوائف يجعل الامور اكثر تحقيقًا للحياة المدنية بعكس ما قد يظنه البعض، وقد صحّت في الغرب ايضًا منذ فترة طويلة، وفي تونس ايضًا.
وردًا على سؤال هل الدعوة الى تحركات لقيام مجتمع مدني في لبنان هي كافية ام يجب العمل الدؤوب للحصول على ذلك؟ يجيب:" هناك مطالبة وهي مهمة، ولكن في الوقت ذاته هذا عنوان يحتاج الى عمل كبير، والمادة 95 من الدستور اختصرت الامر حول كيفية ماذا سيحدث، هناك آليات وقوانين يجب القيام بها، وطريق يجب ان تأخذ مجراها ربما قد ننتظر اكثر من 15 عامًا لتحقيق ذلك، وهذه امور تحتاج الى عمل في العمق، من خلال تحضير آليات وذهنيات.
ويضيف حنين:" انا اؤيد كليًا قيام الدولة المدنية وقد تقدمت باقتراح منذ العام 2003 لتحقيق ذلك، وهذا يجعل الناس سواسية ويدعنا نسهِّل الطريق لبناء الدولة القادرة".
اما هل يمكن اليوم في لبنان فصل الدين عن الدولة؟ يجيب حنين:" هذا هو المطلوب، فاوروبا حصلت على ذلك ايام الثورة الفرنسية، وقد حصلوا على القانون المدني في فرنسا العام 1902، وكان الملك يمثل الله على الارض في الماضي، وكان هناك دمج بين الدولة والدين.
وفي تركيا ايضًا استطاعوا ان يحصلوا من 90 عامًا على علمنة النظام وفصل الدين عن الدولة وكذلك في تونس وصلوا الى طريق طويل في العلمنة، لدينا امثلة امامنا عند جميع الطوائف، فلماذا لا نحذو حذوهم من خلال خلق مجتمع حديث ومتطور جدًا.
المسيحية
ماذا يقول رجال الدين لدى المسيحيين والمسلمين عن قيام الدولة المدنية في لبنان؟
يعتبر الاب جهاد فرنسيس ( مطرانية الروم الكاثوليك في صيدا) ان المراجع المسيحية ليست ضد اي امر لا يقتنع فيه الانسان، واليوم اذا المسيحي غير مقتنع بمسيحيته فلديه كل الحرية ولا اجبار في المسيحية، ومن لا يريد ان يأخذ اسرار الكنيسة ولا يتزوج كنسيًا لسنا ضده، الافضل ان يتزوج مدنيًا من ان يتزوج غصبًا عنه كنسيًا، وبمعنى آخر المرجعيات المسيحية لن تقف في وجه قيام الدولة المدنية، وقد قال البطريرك مار نصرالله بطرس صفير انه طالما المسلمون غير موافقين على قيام الدولة المدنية نحن نقف الى جانبهم.
ويضيف:" الكنيسة تحرّض ابناءها على الالتزام الديني في حياة الانسان، ولكن بحرية، ويجب ان يعيش الانسان اللبناني حياته المسيحية لانها لا تتعارض مع حريته ولا اختياراته، اما الموضوع السياسي فله تفكير آخر خصوصًا في ما يتعلق بالطائفية السياسية.
ويتابع:" المسيحيون لا علاقة للدين بالدولة لديهم، الحياة الكنسية مستقلة عن الموضوع، هي في قلب المجتمع، وليست معزولة، وهي بمفهومها ان اي دولة فيها كنيسة تبقى هذه الاخيرة وطنه من خلال واجباته تجاهها.
وقرار الدولة المدنية يجب ان يكون جماعيًا في لبنان، يجب ان يتفق عليه المسلمون والمسيحيون، والمسيحية تنظر الى تعليم المسيح بانه يريح الانسان ويدفعه الى السعادة والحياة التي يتمناها، لكن لا اجبار في المسيحية.
والكنيسة لا تتدخل سياسيًا اي من خلال تعيين وزراء او غيرها من الامور، لكن تتدخل عندما ترى ان كرامة الانسان مهانة، وتسعى الى رفع كرامته.
ولدى سؤاله هل يهدد قيام المجتمع المدني قيادات القوى الروحية المسيحية في لبنان؟ يجيب:" الكنيسة لا أحد يهددها، رغم ان فرنسا والدول الغربية حيث النظام علماني قد يبتعد الناس عن ديانتهم، الا تخافون من تكرار الامر في لبنان؟ يجيب:" لما كان البابا في القديم يتدخل في الحكم لم يكن الامر افضل بكثير، وما يحصل في اوروبا نتيجة الماضي، وسوء تدخلات الباباوات، وفقدت الكنيسة قيمتها المبشِّرة، لذلك ابتعد الناس في اوروبا عن دياناتهم.
الاسلام
يعتبر الشيخ حسين عبدالله (مكتب العلامة السيد حسين فضل الله) في حديثه لإيلاف ان الحكم يكون للشرع، ومع عدم وجود دولة إسلامية نطمح اليها، تكون بالطرق المشروعة من دون عنف، لن يكون هناك سلطات شرعية للأحوال الشخصية لممارسة الانسان احكام عباداته من زواج وطلاق وغيرها من امور، نحن ضد ان تلغي الدولة المدنية حق كل شخص في ان يعود الى مرجعيته الشرعية، لكننا مع إلغاء الطائفية السياسية، والفرق كبير بينهما، اي هناك اختلاف في ان تكون الدولة مدنية وتلغي حق الطوائف بالعودة الى مرجعياتها، وبين الطائفية السياسية اي ان تكون المناصب السياسية بحسب الكفاءة وليس الطائفة.
في حال قامت الدولة المدنية وكانت هناك احوال شخصية مدنية ما هو اعتراضكم على الموضوع؟ يجيب:" اعتراضنا هو انه يحق لنا تطبيق ديننا ولا احد يستطيع منع ذلك، فالعلماني بإمكانه ان يذهب الى المحكمة المدنية كي يتزوج او يطلق او يراجع مواضيع الارث، لكن هناك ايضًا حرية للانسان المتدين ان يمشي بحسب دينه.
هل يرى ان الدولة المدنية تشكل تهديدًا للقيادات الاسلامية؟ يجيب:" نحن لا نخاف منها، لكننا نعبِّر عن رأينا، ونحن مع ان يحقق القانون وان يكون سواسية للجميع، وليس من باب الخوف بل للتعبير عن الرأي لنصل مع شركائنا في الوطن الى صيغة نستطيع التعايش فيها، في ظل بلد فيه طوائف عدة، مع حفظ حق كل طائفة.
اما هل سيقفون ضد قيام الدولة المدنية في لبنان؟ يقول:" هذا متوقف على الطروحات التي ستُقدم، ولسنا ضد الغاء الطائفية السياسية كما قلت، بالعكس نؤيد ذلك.
لماذا تعترض الطوائف الاسلامية على فصل الدين عن الدولة؟ يجيب:" نحن مع القول بان الحكم لله، ويجب على لبنان ان يلتزم بالدين الذي ارسله الله على الانبياء، ونؤمن بكل الشرائع والاديان ونرفض فصل الدين عن الدولة، والدين هو رسالة الحياة كلها وليس فقط طقوسا دينية في البيت والمسجد، دولتنا يجب ان تكون وفق ديننا واقتصادنا ايضًا وحلقاتنا الاجتماعية ومن هنا نرفض العلمانية، لدينا حريتنا ان نطبق حياتنا وفق الدين الذي امرنا به الله وخلاف هذا الامر مرفوض.