استشارية نفسية تعتبره اضطراباً وخبراء يُحمِّلون "الشات" و"الفضائيات" المسؤولية
خفايا التحرش بين النساء.. نظرة تتبعها قُبْلة ثم إغراء مهين ينتهي بالدموع
دعاء بهاء الدين - ريم سليمان – جدة: يلقى التحرش الجنسي استياء عاماً، فيما تجاهد كل الجهات ذات الصلة للتصدي له، سواء بوقاية الصغار منه أو بإنزال عقوبات رادعة على المتورطين فيه، غير أن الجانب الخفي في هذه المسألة ما زال يحتاج إلى جهود إضافية، وخصوصاً في بعض الأوساط النسائية التي يقول البعض إنها تشهد تصرفات يفضل ضحاياها أن تبقى طي الكتمان.
وما زيد من خطورة مثل هذه التصرفات أن معظمها يقع ضد صغيرات سن لا يعرفن كيف يكون التصدي؛ الأمر الذي يفرض على الجهات المسؤولة أن تسارع بالتصدي لها ووأدها في مهدها.
"سبق" تفتح هذا الملف الشائك؛ لتقف على حقيقة وحجم هذه السلوكيات المنحرفة وطريقة علاجها والتصدي لها.
جمالي مقابل نجاحي
في حزن عميق سردت طالبة حكايتها قائلة: "جمالي سر تعاستي في مدرستي، ومثار حديث زميلاتي. أشعر بنظرات الحسد في أعينهن، أغض الطرف عن بعض القُبلات الساخنة قائلة في ذهني نحن بنات فليس عيباً، ومع قدوم معلمتي إلى المدرسة استغربتُ نظراتها الغامضة القاتلة في الحصة، ولم أدرك معناها؛ حيث كانت تمدحني دائماً وتشيد بجمالي قبل علمي، بل كانت تقترب مني وتداعب خصلات شعري. كنت أسعد بها كأنها أختي الكبيرة التي أتمنى وجودها في حياتي.
في أحد الأيام طلبت مني الحضور إلى المكتبة؛ لأنها تريد محادثتي في أمر عاجل. استبد بي القلق، وسارعت على الفور للقائها، وكان اللقاء المحطِّم لمعنوياتي؛ حيث كسر في مخيلتي المثل الأعلى عندما اقتربت مني وداعبت بأناملها خصلات شعري، وقبلتني قُبْلة ماجنة؛ فصدمتني الدهشة، وخانتني ردود فعلي.
قلت لها بصوت خافت: ماذا تفعلين؟ سألتني في فرح: أهذا يعجبك؟ حبيبتي أنت جميلة، وأنا أستمتع وأنا معك، ما رأيك أن تستمر علاقتنا وأضمن لكِ درجات أعمال سنة مرتفعة؛ حيث تصبحين الأولى على فصلك. وبنظرات هائمة جائعة أضافت: والأولى في قلبي. دارت بي الأرض، ولم أدر ماذا أفعل. استجمعت قواي، وهرولت إلى أن وصلت إلى فصلي.
في اليوم التالي لاحظت سهام نظراتها تخترقني.
لم أهتم بالموضوع حتى اختبار الشهر؛ حيث فوجئت بانخفاض درجاتي، فسألتها فأجابت: هذا ما تريدين، ويكفي ذلك على موهبتك المتواضعة.
بكيتُ كثيراً وازدادت حيرتي إلى أن هداني ربي فصارحتُ أُمّي فنصحتني بترك المدرسة على الفور، وانتقلتُ لمدرسة أخرى، وبفضل الله عوضني ربي بمناخ تربوي واجتماعي نظيف".
علاقة أو طرد
فاطمة أيضاً ضحية للتحرش، لكنها لا تعرف أين تذهب بعد أن تخلى الجميع عنها.. تقول فاطمة إنها زوجة وأم تسعى لتوفير حياة مستقرة لأبنائها، بعد أن تخلى الزوج عنها، وباتت تمثل جميع الأدوار "الأم والأب والمعلمة".
وتحكي فاطمة قصتها قائلة: "تخلى زوجي عني ولم يكترث بأبنائه. تركني في دروبي المظلمة بلا مأوى أو عمل يكفل لي إنسانيتي المهدرة. أعياني البحث عن عمل إلى أن علمت من زميلة لي أن مركز تدريب للسيدات يحتاج إلى سكرتيرة. حمدت ربي أن وجدت عملاً شريفاً يضمن لي حياة كريمة مع أبنائي.
مع موعد المقابلة الشخصية ابتسم الأمل لي؛ فرسمت أحلاماً جميلة تحطمت على صخرة أنانية ووحشية صاحبة العمل.
كانت تلاحقني بنظراتها النارية، وذات يوم طلبت مني الانتظار بعد الدوام الرسمي لمناقشة بعض الأعمال معها.
لحقت بها في غرفتها ففوجئت بظلام دامس يلف الغرفة، واندهشت من الأمر, مع لمساتها بدأت معاناتي، وشعرت بها تتسرب إلى جسدي بهدوء ورفق وتهمس في أذني بعبارات يندى لها الجبين، بل حاصرتني في مكاني، وصرت كالفريسة بين يديها؛ فهي تتمتع بجسم رياضي قوي، ثم فجأة أضاءت الأنوار وهي تنظر إليّ في غرام مصطنع: لم أعلم أن جسدك بهذا الجمال؛ كوني لي أهبك عملاً جيداً.
ثم بادرت بإعطائي مبلغاً كبيراً من المال. انتابتني نوبة بكاء، تخيلت فيها شريط حياتي يتجسد أمامي، متسائلة: ألهذا الحد أصبحتُ سلعة في سوق النخاسة؟ ذهبتُ إلى البيت ألملم إنسانيتي المبعثرة، ولجأت إلى ربي؛ فهو خير معين لي على نوائب زمني. نظرت إلى أطفالي وهم يلعبون في براءة، ونظرت إلى يدي الملوثة بهذا المال الماجن، ثم ألقيتُ به أرضاً داعية ربي أن يعوضني خيراً".
وتضيف: "أصابتني حالة نفسية؛ فذهبت إلى الطبيب كي أستعيد صحتي النفسية، وأحاول نسيان هذه الواقعة المؤلمة".
أنواع الاضطراب
تُحدِّد استشارية الأمراض النفسية بالمركز الطبي الدولي الدكتورة نازلي دولت اضطرابات الشخصية بأربعة أنواع، هي: الحدية التي تعني وجود ميول للجنس نفسه، ويكون بنسبة أكبر لدى المرأة أكثر من الرجل، ومنها تحرش المرأة بمثلها، وهناك السيكوباتية حيث يكون الشخص ذا ميول للعنف، ويشعر باللذة عند إيذاء الآخرين، وهذا قد يكون في صورة تحرش امرأة بأخرى أصغر أو أضعف جنسياً، كما أن هناك اضطراب وجداني؛ حيث تُصاب الشخصية بالاكتئاب والهوس، وعادة ما تفعل أفعالاً خارجة عن طبيعتها، وأيضاً الوسواس القهري، وهي أفكار خارجة عن الذات.
الجنسية المثلية
وأوضحت أستاذة علم النفس التربوي في جامعة الملك عبدالعزيز الدكتورة فائقة بدر أن هناك جهلاً من قِبل الغالبية في التعامل مع المشكلات منذ ظهورها؛ حيث لا يُلتفت إليها إلا بعد أن تتفاقم وتتحول إلى ظاهرة. معتبرة أن كل مشكلة تكرار واستمرار لنمط من أنماط السلوك المضطرب.
وقالت: "إن ثمة فارقاً بين التحرش الجنسي والجنسية المثلية؛ فالتحرش يكون عن طريق اللفظ، والنظرة، والحركة، وملامسة الجسد، أو الإثارة الحسية، ويمكن أن يصل إلى الإرغام على ممارسة الجنس. أما الجنسية المثلية فهي الانجذاب النفسي والشعوري من شخص إلى آخر من الجنس نفسه بالنظر إليه والتقرب منه وربما يمارس الجنس معه ويغار عليه حتى يصل إلى درجة السيطرة".
ووصفت التحرش والمثلية بأنهما سلوك مضطرب يحدث نتيجة فقدان الهوية (هوية الأنا)؛ بسبب سوء أساليب التنشئة الاجتماعية.
موضحة أن القلق والهوس والوسواس القهري من أهم الآثار النفسية التي تعيشها الفتاة المتحرِّشة؛ فهي تعيش في صراع نفسي بسبب علمها بأن هذا السلوك غير مقبول دينياً واجتماعياً وأخلاقياً، ويؤدي إلى عدم استقرارها نفسياً، وتصبح شخصية قلقة ومتوترة باستمرار، وليس لديها القدرة على اتخاذ القرار؛ ما يؤثر على حياتها وعلى الأشخاص المحيطين بها؛ فتفقد الفتاة ثقتها بنفسها وبالآخرين، وتجد صعوبة في التكيف مع مجتمعها، وقد تُصاب بالاكتئاب والعزلة الاجتماعية، كما أن من الآثار السلبية للمتحرشات جنسياً انعدام الثقة بنفسها وإثارة الغيرة المرضية؛ ما يُشكِّل عائقاً في استمرار العلاقة الزوجية.
تعديل السلوك
أما الأخصائية النفسية أميرة الزهراني فاعتبرت أن أهم الأسباب النفسية لتحرش الفتاة بمثيلاتها وجود هرمونات ذكورة لدى المرأة، وتعرُّضها للاعتداء الجنسي في مرحلة الطفولة، أو تعرضها للخيانة من قِبل الرجل؛ ما يؤدي إلى كرهها جنس الرجال والميل إلى الجنس نفسه. ورأت أن معالجة المرأة المتحرِّشة تتم عن طريق الأدوية الهرمونية، أو العلاج السلوكي من خلال عقد جلسات نفسية لتعديل السلوك.
مشيرة إلى وجود تأثير نفسي للمتحرَّش بها؛ فإذا كانت تلميذة فإنها تكره المدرسة، وتعاني التبول اللاإرادي والبُكم الاختياري، وهو اختيارها الصمت برغبتها.
ونصحت بعمل العلاج التدعيمي للمتحرَّش بها عن طريق رفع الروح المعنوية لها؛ حتى تستعيد ثقتها بنفسها.
مسببات الانحراف
وفي رأي المستشارة الأسرية الدكتورة نادية نصير فإن أسباب الانحرافات الجنسية قد لا تبدو واضحة لدى أغلب الناس؛ حيث تعود إلى أسباب حيوية تتمثل في الاضطرابات الفسيولوجية، وقد تعود إلى أسباب نفسية مثل الصراع بين الغرائز والمعايير الاجتماعية والقيم الأخلاقية والضمير والوازع الديني.
مشيرة إلى أن التحرشات تبدأ أحياناً في سن مبكرة من الطفولة بدافع الاستكشاف، ومع هذا لا بد من الرقابة المكثفة لمثل هؤلاء الأطفال وتوعيتهم بطريقة تربوية وليس بالنهر والتهديد كي لا نلفت نظرهم نحو الموضوع أكثر؛ فكل ممنوع مرغوب.
وطالبت نصير الأهل بضرورة الاهتمام بالفتيات، خاصة في مرحلة البلوغ والمراهقة؛ لأن في هذه السن تكون الغرائز والعواطف في ذروتها؛ ما يسهل معه الانحراف عن الطريق السوي.
وأكدت أهمية دور الأم في الانتباه إلى صديقات ابنتها والتعرف على شخصياتهن، ولا تفسح لهن المجال لقضاء وقت طويل معاً في مكان مغلق دون رقابة، معللة بأن هذا قد يؤدي إلى نوع من التحرش عن طريق الحديث الناعم، واللمسات الرقيقة، وقد يقعان في الخطأ؛ فقد تميل بعض الفتيات إلى المظهر الذكوري، الذي تظهر آثاره في الملبس وقص الشعر؛ ومن هنا يجب على كل أُمّ واعية الانتباه عند ملاحظة أي تغيُّر في مظهر وسلوك ابنتها؛ حتى لا تتمادى في الخطأ.
وحول أسباب التحرش بين الفتيات أوضحت نصير أن فقدان الفتيات الحضن العائلي في المنزل يدفعهن إلى فتيات مثلهن، كما أن انتشار المحادثات عبر النت بكل أشكالها واختراق الخصوصية يؤججان الغرائز ويؤديان إلى ازدياد التحرشات المثلية. مشيرة إلى أنه في بعض الأحيان قد تتعرض الصغيرات أو الفتيات للتحرش من نساء مريضات بالتحرش الجنسي المثلي.
الإعلام كسر القدسية
بيد أن أستاذة الصحافة في جامعة الملك عبد العزيز بجدة الدكتورة أميرة النمر ألقت باللائمة على وسائل الإعلام، معتبرة أن لها دوراً كبيراً في نشر هذه الممارسات الفردية؛ حيث يتم التركيز عليها في بعض الأعمال؛ ما يؤثر بصورة سلبية في المجتمع.
وأشارت إلى أن هنالك اتجاهاً جديداً في كثير من وسائل الإعلام العربي يركّز على اختيار أفلام وبرامج ومضامين متعارضة تماماً مع قيمنا الإسلامية، وترجمتها ونشرها من خلال شاشاتها، بل أصبحت تعرض وتنشر العلاقات المثلية بكل بساطة وكأنها أمور عادية في المجتمعات.
ولفتت النمر إلى أن عرض مثل هذه الأمور في وسائل الإعلام جعل المشاهد يعتاد عليها، وعرض تلك العلاقات بشكل فاضح في الأفلام والمسلسلات، وعدم تناسق وقت الجزاء مع وقت المتعة؛ حيث يقوم العمل الفني بإعطاء كل الوقت للمشاهد والعلاقات الشاذة، وإحساس المشاهد بالمتعة وتأخير وقت العقاب والجزاء للنهاية، تجعل تلك العلاقات تثير شهية البعض وتخلق داخله رغبة في التجربة. محذرة من أن تكرار تلك الأفكار يكسر قدسيتها.
وأكدت أن تلك الأفعال والممارسات من قِبل بعض النساء ما هي إلا أفعال فردية لا يمكن القياس عليها؛ حيث إنها لم ترتقِ لتصبح ظاهرة والحمد لله؛ ولذا لا يجب على الدراما بأي أنواعها أن تنشرها على الفضائيات؛ حيث إن هناك كثيراً من الموضوعات لا تصلح للدخول إلى كل منزل، مع مراعاة الذكاء في تناول الأحداث والظواهر.
ودعت أستاذة الصحافة إلى ضرورة التصدي لهذه السلوكيات الشاذة من خلال حملات توعوية، مع التأكيد على تحريمها بصفة مستمرة، ولاسيما أن بعض من يقومون بمثل هذه الأفعال لديهن معلومات خاطئة؛ فهم يعتقدون أنها غير محرَّمة ولا ضرر على المرأة منها؛ لذا لا بد من التصحيح الدائم للأفكار الخاطئة.
وحول إمكانية عرض مشاهد لتحرش أو التحدث عنها من خلال الإعلام متمثلاً في السينما والدراما أفاد المخرج التليفزيوني سمير عارف بأن أية قضايا تُطرح في الدراما العربية مستمدة من واقع المجتمع العربي، وقد تعرض على الشاشة بشكل مبالغ فيه، أما هذه القضايا الحساسة فهي نادرة في المجتمعات العربية.
مشيراً إلى أن الفن من أجل المتعة والترفيه، ويمكن من خلاله توجيه رسائل قصيرة للمجتمع، وما يحدث في بعض الدراما العربية هو طرح لقضايا المجتمع دون معالجتها.
إياكم والمثيرات
وأفاد أستاذ علم القراءات بجامعة الطائف الدكتور يوسف أبو علي بأن المرأة يمكن أن تشعر بالشهوة تجاه المرأة، وذلك من خلال بعض المثيرات مثل طريقة التحدث، والملابس الفاضحة وطريقة المشي. مؤكداً أن هذه الأسباب قد تؤدي إلى التحرش بل إلى ارتكاب الكبائر، وهذا محرَّم شرعاً.
وأشار إلى أن أهم أسباب التحرش تتمثل في التقنية الحديثة التي تلقي بظلالها السلبية على الفتيات، والمجلات الماجنة التي قد تتعرض للمشكلات بطريقة ماجنة تثير مشاعر الفتيات، خاصة في مرحلة المراهقة.
ووجَّه رسالة إلى كل فتاة بأن تلتزم الحشمة في الملبس والمظهر وطريقة الحديث، وعدم إبداء كامل زينتها أمام باقي النساء، كما لا يجوز للمرأة داخل المشاغل النسائية أن تُبدي عورتها أمام مَنْ تُزيِّنها.